راي

قولا لينا _ د/ محمد بشير الإمام _ السودان ومسلسل السقوط _بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

د/ محمد بشير الإمام

السودان ومسلسل السقوط
لم تكن أحداث السودان المأساوية التي كلفت البلد الآلاف من الأرواح البريئة و الأعداد المهولة غير المعلومة من الجرحى و المرضي و الجوعى و ضحايا الأذى الجسدي و النفسي و النازحين داخليا و خارجيا و تدمير كافة قطاعات الإنتاج بالدولة وانهيار البني التحتية شبه الكامل و تحطيم جميع المؤسسات الحيوية و الصروح الاستراتيجية ومكتسبات بلادنا و موروثاتها الضاربة في القدم و المعبرة عن عمقها الحضاري و الثقافي و المحاولات المتعمدة لطمس الهوية الوطنية وغيرها من الأضرار التي وصلت كلفتها المادية التقريبية إلي 150 مليار دولار حسب صحيفة الراكوبة الصادرة يوم السبت 13 أبريل الجاري هذا غير الأموال المنهوبة و السيولة النقدية المهربة إلي خارج البلاد و غيرها من أملاك المواطنين والخسائر التي لا تحصي و لا تعد, إضافة إلي إجبار المجلس العسكري الانتقالي القائم بإدارة شئون الدولة علي ترك العاصمة الخرطوم و التوجه إلي مدينة بورتسودان التي تحولت بطريقة غير مباشرة إلي عاصمة بديلة , لم تكن كل هذه الأزمات الكبيرة و التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث مجرد قصة عن خلافات عسكرية و سياسية فحسب و لكن الكارثة أصبحت دوامة تتناسل أحداثها ساعة بعد ساعة ومسلسل تتناثر حلقاته بعدد شظايا الدانات المستخدمة لتدمير بلادنا و لغز تتشابك خيوطه تماما مثل خيوط الأدخنة الناتجة عن تفتيت منشاتنا التي كانت تنبض بالحياة .
أكملنا عامنا الأول ودائرة الحرب تتسع في بلادنا شيئا فشيئا وفي كل لحظة تزداد الأوضاع الإنسانية سوءا، فقد أفاد موقع الجزيرة نت أن 8 ملايين شخص من السودان نزحوا بعد اندلاع الحرب و25 مليون سوداني الآن يحتاجون للمساعدات الإنسانية وأن البلاد على حافة المجاعة.
وإذا نظرنا إلى المشهد الراهن في ظل هذه الظروف بالغة التعقيد نجد أن مليشيا الدعم السريع المتمردة تحولت إلى عصابات متفلتة بلا أهداف واضحة وبلا قيادات معلومة فهي تدعي أنها تبحث عن فلول النظام السابق وعناصر القوات النظامية إلا أنها تهاجم القرويين البسطاء العزل وتمارس في حقهم أبشع أساليب القتل والترويع والانتهاكات والتنكيل والإذلال وتنهب ممتلكاتهم بأكملها حتى موادهم التموينية تحت تهديد السلاح والفوضى تعم البلاد وتنحدر بها إلى حالة هي الأقرب إلى مرحلة اللادولة ولا نري سقفا زمنيا قريبا لنهايتها.
ما يثير القلق و المخاوف و يعزز صعوبة العودة إلي الاستقرار و إسكات صوت البندقية الذي دام طويلا واتسع نطاقه ليشمل عشر ولايات حتي الآن هو عدم توفر الإرادة السياسية الكافية والتي إن اتيحت ستسمح بالجلوس إلي طاولة المفاوضات و الوصول علي الأقل إلي اتفاق يفضي إلي وقف لإطلاق النار و لكنها للأسف تتعذر حاليا و ذلك لاعتبارات عديدة أولها انهدام أرضية التفاهم بين الجيش و المليشيا المتمردة من ناحية , ومن ناحية أخري تنسيقية القوي الديمقراطية (تقدم) التي يتراسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك و التي تنادي بوقف الحرب لم تفلح في بناء الثقة المتبادلة مع القوات المسلحة التي تنظر اليها علي أنها الجناح السياسي للمليشيا بينما هي تنظر للقوات المسلحة علي أنها تسعي لاستعادة نظام البشير .
وفي ظل استمرارية التعنت وضبابية المشهد السياسي مع المزيد من الاقتتال والعنف وتوالي حلقات مسلسل السقوط أكثر ما نخشاه هو شبح التدويل وتدخل الأمم المتحدة بحجة حفظ الأمن وحماية المدنيين فهذا السيناريو الأليم يظل محتملا وإن تحقق لا سمح الله فلا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا اليه راجعون وعلى السيادة الوطنية السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى