
الجيش السوداني الذي سيكمل عامه المئة في العام الذي سيبدأ غداً يخوض حرباً داخليةً تهدد وجود السودان الدولة الشعب والأرض، وبالطبع هذه ليست الحرب الداخلية الأولى فقد خاض قبلها أطول حرب في افريقيا والتي استمرت 22 عاماً مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرن راح ضحيتها حوالي مليون وتسعمائة ألف سوداني وانتهت بالتفاوض واتفاق نيفاشا وانفصال الجنوب.
القاسم المشترك بين تلك الحرب وبين ما يحدث ألآن هو عملية التجييش الداخلية، كانت أبان حرب الجنوب تدعى الخدمة الإلزامية والآن تدعى الاستنفار والحملة الشعبية، الإلزامية في ذلك الوقت لم تكن تفرّق بين عرق أو لون أو جهة، كانت الحملات توقف المواصلات العامة وتسال الركاب عن بطاقاتهم وكل من لا يستطيع اثبات أنّه طالب أو موظف يرحّل لمعسكرات التدريب ومنها إلى الجنوب، ماتوا هناك ودفنوا ولم يعد الجنوب،
أما الحملة الشعبية هذه الأيام فهي تتمركز في ولايات معينة لإثنيات محددة في جو يعبق بالدعوات العنصرية المتبادلة بين الطرفين، وربما هذه الدعوات كانت موجودة في حرب الجنوب ولكن لم يكن هنالك وسائط لنقلها، لم يكن هنالك منصات تمنح كل معتوه الفرصة ليفرغ ما في داخله من ترهات وتنقلها للطرف الاخر، إذاً يجب أن نسأل سؤالاً ضرورياً: من المستفيد من هذا الوضع ؟ بالنسبة لي هنالك جهتين ستستفيد من كل الشحن العنصري الذي يكاد ينفجر في الوجوه، الطرف الأول هم الدعم السريع والطرف الثاني هم الإخوان المسلمين، والخاسر هم الشعب السوداني والقوات المسلحة.
يستفيد الإخوان المسلمين بتزكية العنصرية لإطالة أمد الحرب وخلق سبب للمواطن ليحمل السلاح بعيداً عن الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله هذه الحرب وهو إعادتهم للسلطة، وكذلك بتصوير أنفسهم كأبطال حرب كذباً فتسمع قصص ولا ترى فعلاً على الأرض، تسمع عن كتيبة البراء بن مالك وتراهم يتوجهون إلى مدني وهم يغنون الأغاني الجهادية وفي اليوم الثاني تسلم المدينة للدعم السريع بكل بساطة ويخبروك أنهم موجودون في الميدان وهم الرجال وهي جعجعة بلا حرب ،ولأن المفاوضات التي ستوقف الحرب يجب أن تشمل العفو عن جرائم الكيزان لن يسمح الإخوان المسلمين بإيقافها قبل أنّ يضمنوا نجاتهم لذلك يحركون المواطنين ليخوضوا حربهم.
ونأتي للحملة الشعبية التي تقوم على أساس جهوي متناسية أو متعمدةً التجاهل لحقيقة أن قوام الجنود في الجيش السوداني هم من أقاليم يمسها هذا الحديث العنصري، فهل تساءل أصحاب هذه الدعوات عن تأثير هذه الخطابات على جنود يحرسون المدرعات والمهندسين ووادي سيدنا وكل الحاميات في السودان؟ إذا كنت تستبعد هذه الاستجابة من هؤلاء الجنود فيجب عليك أن ترى كيف يساق الشعب لقبول حرب يصبح فيها كل يوم على خسارة جديدة ، لازالوا يرددون عبارة (بل بس) متناسيين أن كل الوعود والآمال التي بدأت مع هذه الحرب لم تنفذ ولم تكن واقعية، في ظني أنّ الدعم السريع من الممكن أن يدعم هذه الخطابات العنصرية لأن الانشقاق الاثني داخل الجيش سيعني أن تدور المعارك داخل هذه المقار المحاصرة وبهذا ستنقلب المعركة بسرعة شديده لصالح الدعم السريع وستسقط هذه المقار من الداخل ، ومن الممكن أن يتسلل هؤلاء الجنود ببساطة تاركين مواقعهم مما سيؤدي الى نفس النتيجة ،إذاّ أصحاب هذا الخطاب العنصري الذي سيؤدي الى فقدان الجيش لما تبقى من قوته اذا لم يكونوا من الدعم السريع فهم من يريدون تدمير هذا البلد للابد.
ويجب أن اثبت نقطة عن موقفي من كان يريد أن يقاتل ويذهب الى الحرب أذهب فهذا خيارك الواعي، فانا مقتنعة إنّ أوان إيقاف هذه الحرب بالوعي الشعب قد فات ولكن توقف عن تدمير ما تبقى من هذا الجيش والذي تدعي إنك تسانده برعونتك وخطواتك الغير محسوبة وحديثك الذي لا يمر عبر عقلك.
***
(صلاح جلال : كل الشهداء الذين ماتوا في حرب الجنوب اصبحوا مدفونين في دولة اخرى، لو قاموا الآن من مقابرهم لاحتاجوا جوازات للعودة الى بلادهم ).