ياسر عرمان يكتب .. الدخول إلى القصر الجمهوري من بوابة 1989 وما مضي أم لأمر فيه تجديد؟ ــ بعانخي برس
بعانخي برس

ياسر عرمان
وصول القوات المسلحة وحلفاءها إلى القصر الجمهوري بعد عامين من المعارك ومن مسافة لا تتعدي بضعة كيلومترات بحساب الجغرافيا إنجازاً عسكريا لا يجب التقليل منه، وبه تكون القوات المسلحة قد خاضت أهم معاركها العسكرية منذ نشأتها قبل مائة عام،
والحقيقة إن الجيوش في بعض دول الجوار قد انهارت وتم بناء جيوش جديدة للمرة الثالثة والرابعة في بعض بلدان جوارنا نتيجة للأزمات العميقة في فشل برنامج البناء الوطني في ما عدا بلدان قليلة من الجوار تمتعت جيوشها بالإستقرار واستمرارية الوجود وتراكم التجربة، منها مصر وكينيا.
يعد وصول القوات المسلحة إلى القصر الجمهوري فاتحة للأسئلة السياسية قبل العسكرية ، ولا يخفي الأزمة عميقة الجذور المرتبطة بنظام حكم 1989 على وجه التحديد وما قبله، فنظام 1989 اختطف الدولة وسيس القوات المسلحة، والفلول هم من يتحملون جريمة تعددية الجيوش والمليشيات الموازية مع رفضهم للتعددية السياسية والتنوع والتعدد التاريخي والمعاصر لبلادنا واعتمادهم لبرنامج فكري وسياسي أحادي مغلق وإقصائي وملتبس لا يخاطب أزمة البناء الوطني، وهو مصدر الحروب الماضية والحالية والآتية إن استمر.
تعود بداية الحرب الحالية لرفض التغيير الذي أتت به أعظم ثورة سودانية معاصرة هزمت الفاشية وهي ثورة ديسمبر. وكان علاجهم على نسق أدوية (البصيرة أم حمد)، ففي البداية بالإنقلاب وبعدما فشل الإنقلاب قاموا بعلاجه بالتي كانت هي الداء فأنتقلوا إلى مربع الحرب بين أطراف الإنقلاب مع مزيد من تعددية الجيوش، والفلول يعشقون القصر ولا تأخذهم رأفة بالملايين من ضحايا هذه الحرب اللعينة، ويأخذون الصور والفيديوهات في مناطق الحكم والسيطرة التي يظهر فيها (البراؤون) ويغيبون عن معارك المالحة والفاشر. وهم يحبون مناطق الحرب القيافة والتي بها الصحافة والمتلفزة ويغيب البراؤون عن معارك الهامش فعادات حبهم لتهميش الأخرين متأصلة وقديمة حتي في إختيار مناطق الحرب، ولهم تجربة في تهميش شهداء القوات المسلحة في حرب جنوب السودان، ومن منهم يذكر العميد أركان حرب عثمان عبد الرسول الضو والعقيد عبد الرحمن بلاع والعقيد فرح آدم فرح والمقدم سالم سعيد محي الدين، وغيرهم كثر.
دخول القصر إنجاز عسكري يضع سؤالا سياسيا هاما: هل دخلوا القصر من بوابة 30 يونيو 1989 التي تعمق الأزمة السياسية وتضع عنوانا عريضا لإستمرار الحروب؟ والذين كانوا يتحدثون عن نهاية دولة 56 فإن دولة 56 قد شبعت موتا بإنقلاب 1989كما قلنا من قبل، وإن عادت إلى الحياة مرة أخرى ربما يتم الإحتفاء بها كمقدمة لمشروع جديد فهي رغم عيوبها البنيوية وأولها غياب المواطنة بلا تمييز والعدالة الإجتماعية ولكنها تعد حلما نبيلا حينما مقارنتها بدولة 30 يونيو 1989 التي أختطف فيها تيار فكري وسياسي إرهابي مؤسسات الدولة وعمد على تدمير الثورة في الريف والمدن.
إن دخول القصر لكي يحل الأزمة السياسية والتاريخية المستحكمة يجب أن لا يكون من بوابته الشرقية أو الغربية أو الجنوبية على أهميتها عسكريا بل المهم أن يكون الدخول إلى القصر الجمهوري سياسيا من بوابة برنامج نهضوي جديد يوفر مساومة تاريخية تحل قضايا البناء الوطني وعلى رأسها الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز. إن البوابة الحقيقة لدخول القصر الجمهوري هي بوابة الثورة السودانية المشتعل أوارها منذ عام 1924 والتي قادها زعماء كبار في وحدة للمدنيين والعسكريين، لنستمد من ذلك ضوءا يضع بلادنا على طريق التطور والتقدم والديمقراطية وحل معضلاتها التاريخية، والذين دخلوا القصر اليوم من المهمشين عليهم أن يضعوا ذلك نُصب أعينهم.
إن الإحتفاء اليوم لن يسقط الأسئلة التاريخية التي طرحتها ثورة ديسمبر وإن ما حدث اليوم ليس نهاية الحرب بل بداية لطرح الأسئلة الرصينة لكيفية إنهاء الحرب وكيفية الوصول إلى برنامج يكمل الثورة ويؤسس الدولة، وهذا البرنامج غير موجود في أضابير فلول 1989. إن دخول القصر فرصة جديدة لقيادة الجيش لتستمع إلى الشعب وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بناء مستقبل جديد على راس أجندته بناء قوات مسلحة واحدة و مهنية وغير مسيسة تعكس التنوع السوداني. إن الثورة أقوى وأكثر خلودا من المدفع، وحينما تنحسر مياه المعارك العسكرية ويعود الناس إلى بيوتهم التي أخرجوا منها دون وجه حق فإن أسئلة الثورة وكيفية إنهاء الحروب إلى الأبد تطل برأسها من جديد.
المجد لشعب السودان
والثورة أبقي من الحرب
ولا لحرب أبريل
ونعم لثورة ديمسبر