
_*شاهيناز القرشي*_
إذا لاحظت، هناك عدم تقبل أو ترحيب من الكيزان بكامل إدريس، أو دعنا نقول بعضهم، ولكنهم يمثلون صوت الكوز. في نظري، هذا الهجوم (غير العنيف حتى الآن) هو نوع من عدم الثقة في خطط كامل، وفي الغرض الذي من أجله تم تعيينه. والكيزان الذين منحوا البرهان وحميدتي في يوم 11 أبريل شيكًا على بياض واعتبروهما حراس مصالحهم، وصفهم الثاني الذي سيعيدهم بعد انفضاض الجماهير. لن يخاطروا ويمنحوا نفس الشيك لكامل أدريس ما لم يقدم لهم وبشكل عملي ما يدل على نيته في مراعاة مصالحهم.
فإذا كانوا مبعدين أيام التحول المدني، فهم الآن عادوا للسيطرة على الإعلام وأغلب المناصب الحكومية، وكذلك قادرين على استخدام قوة الدولة لصالحهم إذا كان في عرقلة الاقتصاد أو العلاقات الخارجية، وكذلك قتل من يعتبرونه عدوًا لكيانهم، أو سجنه أو تشريده من الدولة. إذن هم يرون أن معهم أدوات قادرة على زعزعة حكومة كامل إدريس ما لم يسر معهم في نفس الاتجاه، وهذا بالنسبة لي مؤشر على عدم ثقتهم في برهان ونواياه.
أما عن كامل نفسه، فهو لطالما نادى بالحكم المدني الديمقراطي وتغنى بالعدالة والحقوق، ولكنه لم يصرح حتى الآن عن برنامجه ولا كيف يرى الأمور. والملاحظ أن عشية الإعلان عن ترشيحه كرئيس وزراء، أعلنت الحكومة الأمريكية نيتها في معاقبة حكومة السودان لاستخدامها سلاحًا كيميائيًا في مناطق لم تسمها، وستدخل هذه العقوبات حيز التنفيذ يوم 6 يونيو بعد إخطار الكونغرس. وتوقيت هذا الإعلان مثير للريبة، فعلى حسب ما ذكر في تقرير العقوبات، فإن هذه الأسلحة تم استخدامها في العام الماضي، فلماذا أعلنت في نفس اليوم؟ هل هذه أيضًا رسالة لحكومة السودان تفيد أن الانحراف عن المسار المحدد والمتفق عليه سيدخلهم في متاهات ليست بالسهلة؟
وبالعودة لكامل الذي قبل بالمنصب والذي وصل للسودان مارًا بالمملكة العربية السعودية، وهذا مؤشر يجب أن يوضع في الاعتبار مع تبني السعودية للمفاوضات، نعود إليه لنسأل: ما الذي يريد كامل تحقيقه في هذه الفترة العصيبة من عمر السودان؟ هل يريد أن يكون مثل رئيس الوزراء المكلف السابق الذي لم يعلم اسمه أغلب السودانيين؟ وكان اسمه عثمان حسين عثمان وظل رئيس وزراء لأكثر من سنتين، أم يريد أن يصبح واجهة مدنية تدافع عن سياسات العسكر؟ ويبحث لهم عن الشرعية والقبول الدولي؟ أم هو رئيس وزراء لتغيير الواقع وإيقاف الحرب وذلك بموافقة بعض العسكر وضغط من المجتمع الدولي؟ ستتضح نوايا كامل إدريس في خلال يومين أو ثلاثة، بعدها سيحدد كل لاعب موقفه منه، هؤلاء اللاعبين هم تقدم والتي ظلت شبه صامتة إلا من بعض التلويح بعدم الشرعية ولم يهاجموا كامل في شخصه، وكذلك الكيزان وأمريكا ودول الإقليم.
وفي مسألة الأسلحة الكيميائية، ربما يقول أحدهم أن أمريكا لا تمتلك أدلة وهذه تهم سياسية، وبالطبع هذا احتمال وارد، ولكن في هذه الحالة ستطلب أمريكا أن يسمح لها بإدخال لجان تحقيق، وهذه الخطوة لن تلاقي ترحيبًا من الحكومة السودانية، فهذه اللجان إذا كان لديها تفويض بالتحقيق في جرائم الحرب التي حدثت في مناطق الاشتباكات، فلن يخرج الجيش بثوب أبيض، وستدين هذه اللجان الجيش وميليشيا الدعم السريع معًا، بقصف المدنيين وتخريب البنية التحتية المدنية، والقتل خارج القانون.
وفي الماضي القريب، لتتجنب الحكومة وصول لجان تحقيق، فضلت أن تتهم الإمارات بالمشاركة في إبادة المساليت لأن هناك تقريرًا لدى الأمم المتحدة عن هذا الأمر، واستخدمته الحكومة كدليل وذهبت بالقضية إلى العدل الدولية بدلاً من الجنائية. مع أنها كان من الممكن أن تبني قضية أفضل إذا اتهمت شخصيات بعينها وذهبت بالقضية إلى الجنائية. إذن اللجان المحلية التي كونها البرهان، ما لم توافق أمريكا وتثبت أن هناك جهات استخدمت الأسلحة الكيميائية ويعلن برهان عدم مسؤلية الجيش وتتم محاسبة هذه الجهات، سيظل اتهام أمريكا قائمًا. ولن تستطيع الحكومة أن تدفع عن نفسها العقوبات ما لم تسمح بلجان التحقيق. وربما تصعد أمريكا الأمر إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة. وحتى مع استخدام الفيتو من أصدقاء حكومة السودان لإيقاف الإدانة من قبل مجلس الأمن، تستطيع أمريكا أن تعاقب السودان وتعاقب الدول التي ستتعامل مع حكومة السودان كما فعلت سابقًا، مما أخاف أغلب دول العالم وامتنعت عن التعامل مع السودان.
إذن، في الأسبوعين القادمين، ما سيصنع المشهد هو موقف كامل إدريس من الحرب، ومن الكيزان، والقوى المدنية، وموقف الحكومة من الاتهامات الأمريكية. ستكشف هذه المواقف مصير السودان لعدد من السنين القادمة.