في هذه الحرب التي نفتقر فيها لمصادر المعلومات الدقيقة نلجأ كثيراً لتحليل الأحداث على الأرض وننسبها لطرف بناء على قاعدة (من المستفيد) نقوم بهذه التحليلات في ظل اتهامات متبادلة بين الطرفين لإلقاء اللوم على الآخر لأن بعض هذه الأحداث تشكل جرائم في حق الإنسان ومن ضمنها قطع الاتصالات والانترنت، وكل تدمير لبنية تحتية هو جريمة.
وعند تطبيق قاعدة من المستفيد من قطع الانترنت عن الثلاث شركات العاملة في السودان وقطع الخدمة نهائياً، نجد أنّ الضرر يقع على الجميع في مستويات معينة عندما يجعل قطاعات كبيرة من القوات خارج التواصل ويصعب نقل الأوامر ويفقدها فاعلية التنفيذ في الوقت المناسب في ظل واقع يعتمد على الانترنت والاتصالات المتنقلة بشكل كبير، اذاً في مجال الاتصالات ونقل الأموال الضرر متساوي ويتعداهم إلى المواطن. الآن نضع على الطاولة حقيقة أخرى كل المقسمات الرئيسية لمزودي الخدمة تقع في مناطق سيطرة الدعم السريع وهم قادرين على التحكم بها وهنالك تفاهمات تمت بين شركات الاتصالات وقوات الدعم السريع ساعدت على استمرار الخدمة،
وعلى لسان الفاتح عروة العضو المنتدب لشركة زين قال: إنّ موظفي الشركة متواصلون ومتعاونون مع الدعم السريع ليحرصوا على استمرار الخدمة، وتحدث عن إعادتهم للاتصالات في الجنينة ونيالا وأنهم سعوا لإعادة الخدمة لكامل دارفور ولكن الدعم السريع تماطل في إيصال فرق الصيانة والمتعهدين مما سبب في تأخير إعادة الخدمة لكامل دارفور- وارجو أن يضع القارئ هذه النقطة في اعتباره فهي شاهدنا في أحداث قادمة – وكذلك تتناثر معلومات عن نقل السيرفرات التابعة للسجل المدني خارج الخرطوم بناءً على نفس التفاهمات مما أعاد خدمة استخراج الجواز والرقم الوطني، اذاً ميليشيا الدعم السريع كانت تسيطر على هذه الشركات وسمحت لها بالعمل .
الآن ما الذي جد؟
يتحدث الفاتح عروة عن أنّ قائد منطقة جبرة ذهب إلى المقسمات الرئيسية وأغلق المولدات بحجة أنّ الشركة لم تعد الخدمة لدارفور مع أنّ الشركة اعادت الخدمة لبعض المناطق، وطلبت من الدعم السريع نقل فرق الصيانة وهم من تباطؤوا، لذلك تكون هذه الحجة باطلة ومجرد يافطة للكسب السياسي.
في تقديري أنّ الميليشيا اكتشفت مؤخرًا أهمية الإنترنت للجيش في تسيير سلاحه الأخطر الذي يواجه به الميليشيا وهو المسيرات، فهذه الطائرات التي تتحرك بناءً على ارتباطها بأجهزة تحكم أرضية تتصل بها عبر شبكة الإنترنت وترسل صور و فيديوهات واحداثيات للمتحكم على الأرض والذي يحدد مكان الضربة ويعطي الأمر للطائرة بأطلاق السلاح بناءً على المعلومات التي ترسلها الطائرة للقاعدة، ودون الإنترنت اللاسلكي تصبح هذه العملية مستحيلة، والطائرات عاجزة عن الإرسال والاستقبال، وربما يضر هذا الانقطاع بكل قطاع الطيران بمختلف فئاته ويجعله خارج الخدمة حرفياً، مما سيجرد الجيش من سلاحه الأهم فطائرات الاستطلاع تعتمد على الإنترنت لتحديد الإحداثيات بدقة لتزود بها طائرات سلاح الجو والتي تضرب ما حددته طائرات الاستطلاع.
اذاً المستفيد الأعظم من قطع الإنترنت هي ميليشيا الدعم السريع ولا يمكن للجيش أن يعصب عينيه بيديه.
كل هذا الغبار واللغط الذي يثار حول أسباب قطع الإنترنت ومن قطعها هو محاولة لتصفية الحسابات داخل الجيش وكذلك للفت الأنظار بعيدًا عن الهدف الحقيقي لهذه الجريمة التي ستجعل كل السودان مكشوف أمام هذه القوات وسيسحب نقطة التفوق الوحيدة التي كانت تعطل تقدمهم في المناطق المفتوحة ،إذا لم تحدث معالجات سريعة لهذه المعضلة ستحدث انهيارات دراماتيكية في كثير من مناطق سيطرة الجيش والتي بنت خططها الدفاعية على أساس وجود غطاء جوي كما أن بقاء أجهزة الاتصالات متوقفة عن العمل ربما يدخلها في اعطال فنية وتستغرق صيانتها فترة ليست باليسيرة كفيلة بقلب الموازين على الأرض .
يوجد مقسمات فرعية في عدة مدن ومنها بورتسودان من الممكن أن يتم ترقيتها لمقسم رئيسي لتحل محل مقسمات الخرطوم ولكنها أيضاً تطويرها يحتاج لاستيراد ماكينات تتبع لشركة هواوي الصينية المتوافقة مع الشبكة السودانية وفي هذا التوقيت بالذات أصبحت رحلات البحر الأحمر غير آمنة، مما يضطر السفن القادمة من الصين بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح مضيفة أسبوعين للرحلة. اذاً من الأفضل أن تنقل هذه الأجهزة جواً وتبرز معضلة من سيتحمل تكلفة هذه المكائن ونقلها وتركيبها فشركة زين ليست سودانية ويعتبر الاستثمار في الشبكة السودانية في هذه الظروف مجازفة كبيرة، لذلك سيكون أمام الحكومة أن تطور مقسمات لشركة سوداني التابعة للحكومة ولكنها ليست بإمكانيات زين ولا ضخامتها ولكن التفاهم والتعاون يمكن أن يحدث.
ويمكن أن نقول انها أصبحت حرب توقيت.