راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ في ذكرى المجد… دمٌ على تراب السودان ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

في خضمّ الاحتفال بذكرى عزيزة على قلب كلّ سودانيّ، الذكرى الحادية والسبعين لتأسيس القوات المسلحة السودانية، يتجلّى مشهدٌ آخرٌ أكثر قتامةً وألماً، يذكّرنا بمرارة الصراع الدائر في البلاد. في مدينة تمبول، التي عُرفت بأنها “أرض الشهداء”، كان لقوات درع السودان احتفالها الذي أرادت به أن تؤكد على الوحدة والتلاحم، وأن تكرّم أرواح شهدائها الذين ضحوا من أجل الوطن. ولكن، لم تكن هذه المناسبة لتمرّ بسلام، بل تحوّلت إلى مسرحٍ لجريمة أخرى تُضاف إلى سجلّ الحرب الطويل.
تُظهر الأحداث المؤسفة التي تضمنها التصريح الصحفي لقوات درع السودان مدى بشاعة هذا الصراع ووحشيته. ففي ظلّ أجواء الفرح والاحتفال، تمّ استهداف الفعالية بطائرة مسيرة، مما أسفر عن سقوط ضحايا أبرياء بينهم أطفال. هذا العمل العدواني لا يكتفي باستهداف التجمعات العسكرية، بل يتعدّاها ليطال المدنيين الآمنين، في انتهاك صارخ لكلّ الأعراف والقوانين الإنسانية.
إنّ ما حدث في تمبول ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو انعكاسٌ لحقيقة مرة؛ وهي أن الصراع في السودان أصبح حرباً لا تعرف حدوداً ولا تحترم قدسية الحياة. فبينما تحاول بعض الأطراف استعادة نسيج المجتمع وروح الوحدة الوطنية، يصرّ البعض الآخر على نهج العنف والدمار، غير آبهٍ بالتكلفة الإنسانية الهائلة. هذا التصرف يُعدّ دليلاً آخر على أن لا شيء مقدّس في هذه الحرب، وأنّ الأهداف العسكرية تُبرّر استهداف المدنيين، وهو أمرٌ لا يمكن قبوله أو تبريره.
يأتي الاحتفال بذكرى القوات المسلحة السودانية في وقتٍ تواجه فيه البلاد تحدياتٍ جساماً، ليس أقلها الانقسام والتشظّي. إنّ دعوة قوات درع السودان إلى “وحدة وتماسك القوات المسلحة” وتأكيدها على “تلاحم الشعب السوداني والتفافه حول قواته النظامية” تحمل في طياتها رسالةً قويةً وأملاً في تجاوز الأزمة. ولكنّ هذا الأمل يظلّ مهدّداً بالخطر ما دامت لغة السلاح هي السائدة، وما دامت الأطراف المتصارعة ترفض الجلوس إلى طاولة الحوار.
إنّ مسؤولية بناء السودان الجديد تقع على عاتق الجميع، وليس فقط على عاتق القوات المسلحة أو القوات النظامية. فالمجتمع السوداني بأسره مدعوٌّ للعمل من أجل الوحدة، ونبذ العنف، وتغليب لغة الحوار على لغة الرصاص. هذا هو السبيل الوحيد لإيقاف نزيف الدم وإعادة بناء ما دمّرته الحرب.
إنّ دماء الشهداء في تمبول، وفي كلّ بقعة من بقاع السودان، يجب ألا تذهب سدى. يجب أن تكون حافزاً للجميع لتوحيد الصفوف، وتجاوز الخلافات، والعمل من أجل مستقبلٍ أفضلٍ للأجيال القادمة. فالسودان يستحقّ السلام والازدهار، لا الحرب والدمار.
في ظلّ الظروف الحالية، تُصبح الاحتفالات الرسمية والعسكرية في الساحات المكشوفة عملاً غير حكيم، بل وخطراً يهدد أرواح الناس. الدعم السريع لا يتردد في استغلال أيّ فرصة لإرسال رسائل التخويف والترهيب، وتُصبح هذه الاحتفالات مسرحاً مثالياً لذلك يجب أن تكون الأولوية القصوى لأيّ جهة مسؤولة هي حماية أرواح المواطنين. إنّ إقامة احتفال في ساحة مكشوفة في ظلّ وجود تهديدات أمنية واضحة هو استهتار بأرواح الناس، ويعرّضهم لخطر الموت أو الإصابة.
الاحتفالات في هذا التوقيت قد تُعطي رسائل خاطئة، وتُعتبر نوعاً من الاستفزاز أو التحدي، مما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة وغير متوقعة، وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعيشها البلاد، تُعدّ الموارد التي تُنفق على الاحتفالات نوعاً من الترف غير المبرر، ومن الأجدى توجيه هذه الموارد نحو مساعدة المتضررين وإعادة بناء ما دمّرته الحرب.
إنّنا ندعو كلّ الجهات الرسمية والعسكرية إلى إعادة التفكير في قرار إقامة أيّ احتفالات في الساحات المكشوفة في هذا الوقت الحساس. يمكن إقامة هذه الاحتفالات في أماكن مغلقة وآمنة، أو الاكتفاء بالاحتفالات الرمزية التي لا تُعرّض حياة المواطنين للخطر.
إنّ رمزية الاحتفال تكمن في قيمته المعنوية، وليس في عدد الحشود أو حجم الاحتفالية. يمكن تحقيق أهداف الاحتفال، من تكريم الشهداء وتأكيد الوحدة، بطرق أكثر أماناً وفاعلية.
فالحكمة تقتضي أن نبتعد عن كلّ ما يُمكن أن يُشعل الفتنة أو يُعرّض حياة الأبرياء للخطر. إنّنا في حاجة إلى الوحدة والحوار، لا إلى الاستفزاز والتصعيد.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظلّ هذا النزيف مستمراً؟ وإلى متى ستدفع الأجيال الجديدة ثمن صراعات الكبار؟ إنّ هذا النداء ليس موجّهاً لطرفٍ بعينه، بل هو نداءٌ لكلّ من يحمل همّ السودان في قلبه؛ ليعمل من أجل السلام، ويضع حداً لهذه المأساة الإنسانية. فالسلام هو السبيل الوحيد لتكريم ذكرى الشهداء، وتحقيق آمال الأحياء، وبناء سودانٍ موحّدٍ ومستقرّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى