مدني مدينة لها سحر عجيب ولها شعور غريب ينتابك عندما تبتعد عنها ولو قليلا
فإنك تشعر بالشوق والحنين اليها حتي ولو غبت عنها يوما واحدا والشوق اليها لايفتر ابدا.. لانك تترك قلبك بين ارصفتها فلا تستطع الرحيل عنها بعيدا … هي مثل الام لاتشبع من حنانها ودفئها..
نشتاق اليها علي الدوام ؛؛؛ لأن جمال أيامها أقوى من النسيان؛؛ ولان عطرها ازكي من الريحان
فكما تقول غادة السمان (للعطر لغة خاصة تربك القلب احيانا) فمدني لها عبق لايضاهي
نشتاق الي كل شئ فيها ,,البيوت,, النوادي,,السينما ,, دار الرياضة ,,الاسواق،، المقاهي,,حكاوي الحبوبات ..بيوت الأعراس… شاي العصرية.. وقهوة المغربية,, والعشاء و الانس مع الشلة,, الي ضحكات اطفالها وحلقات الذكر والتلاوة في المساجد..نشتاق الي معلميها ومشائخها ..نشتاق لخريفها وخرير الماء في وديانها ونشتاق الي الجلوس علي ضفة النيل وكتابة القصائد،،
مدني مثل رحيق الازهار واهلها مثل الفراش لايستغنون عنها ولايملون التحليق في مدارها ،،،مدني معطاءة ﻟﻢ ﺗﺒﺨﻞ ﻳﻮﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﺳﻜﺎﻧﻬﺎ,, ﻭﻟﻢ ﺗﻘسو ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻞ ﺃﺭﺿﻌﺘﻬﻢ ﺣﻨﻴﻨﺎ ﻭﺃﻛﺴﺒﺘﻬﻢ ﺃﻟﻘﺎ وحضورا،، ﻭﻭﻫﺒﺘﻬﻢ ﺇﺑﺪﺍعا لايضاهي,, مدني حبها لايفتر ولايتوقف.. عشقها و نبض القلب توأمان …
ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ومهما وصفت ﻟﻢ ﻭ ﻟﻦ اﻮﻓيها حقها ولكن نقول..
(يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق)
كتب احد المبدعين عنها وتغزل فيها بهذه الابيات
منو الغيرك بيستاهل!!!!!
وقت نفخر نهز بيهو ؟ ومنو الغيرك تريدوا الروح!!!؟
وجوا عيونا نأويهو !!؟
ياعشقاً سكن فينا وأصبح زاد طريق ممتد بأرواحنا نفديهو
يا أرضاٍ كستنا حنين
وياوطناً نعيش فيهو
كنت اود ان اكتب عن المعالم والمشاهير وتفاصيل المدينة في هذه الحلقة ولكن لانكم وضعتموني في امتحان التوثيق لمدني آثرت أن أتركه لحلقات قادمات لمزيد من التدقيق وترتيب الأحداث،، ولذلك رأيت أن أكتب خاطرة عن رحلة السفر من مدني إلى الخرطوم والعودة إليها
مدني مثل عش الطائر لابد أن تعود إليها مسرعا كلما أجبرتك الظروف للابتعاد عنها،، لن تبعد عن مدني إلا مضطرا لقضاء مصلحة أو أداء واجب
ساتحدث عن الرحلة من مدني للخرطوم وعادة تكون الرحلة قصيرة يوما واحدا او يومين لأن أهل مدني يحرصون علي إنجاز مهمتم بالخرطوم في وقت وجيز ليعودوا سراعا لمحبوبتهم ،،وإن صادف الأمر نهاية إسبوع ولم يقض أحدهم حاجته فإنه يعود لمدني ثم يرجع للخرطوم أول الاسبوع مرة أخري
كنا نبكر في السفر لكي يتسني لنا الرجوع في نفس اليوم إن أمكن ذلك وكانت البصات السفرية آنذاك تعد بالأصابع ( المؤسسة والصاروخ والركبي والندي والثقة ثم بصات عزوز ) وكانت البصات غير مكيفة ومن خلال نوافذها نتنسم الهواء ونتامل الطبيعة كما اننا نجد فرصة لنلوح بأيدينا لمن يحضرو لوداعنا وكاننا نسافر خارج الوطن..
ثم انشئت بعد ذلك شركة مواصلات الجزيرة السياحية المكيفة المنتظمة في مواعيدها..ولا أبالغ ان قلت ان رحلاتها علي مدار الساعة بل كل نصف ساعة في أوقات الزحام والمواسم،،،
كنا نجلس فترة ننتظر البص القادم من الخرطوم لقلة البصات آنذاك فتمر الدقائق بين مؤانسة المودعين وتصفح الجرائد وكانت الإصدارات قليلة( الصحافة والايام) وبعض الجرايد الرياضية… ومن اشهر رؤساء التحرير في ذلك الزمن إبن مدني الشاعر المعروف فضل الله محمد لم يكن هنالك جوالات أو انترنت او العاب الكترونية
كان موقف البصات في السوق الجديد او السوق الصغيرقبل ان يتحول للسوق الشعبي الحالي
يتحرك البص متجها الي العاصمة عابرا قري الجزيرة بروعتها وخضرتها وانت تتأمل الطبيعة وأحيانا تتجاذب الحديث مع جليسك في المقعد المجاور لينسيك وحشة السفر ولسعة الفراق حتي يصل بك إلى العاصمة..
فتقضي حاجتك ثم تعود مسرعا
🔸في رحلة العودة تصعد الي البص وتتفحص الوجوه ربما تجد شخص تعرفه للمؤانسة
خلال الرحلة ..وأهل مدني بالطبع يتعارفون نسبة للترابط الاجتماعي فقد كانت تجمعهم مجالات عدة في مجال
الرياضة مثلا او العمل او السوق او الدراسة او السياسة وخلافه،،
يتحرك البص وأنت تتحرق شوقا للوصول إلى المدينة وتحسب الساعات والدقائق..
وسائق البص من الرعيل الاول الذي يتقيد بالسرعة المقررة له ،،،وتجده منسجما مع شريط الكاسيت.. والذي عادة يكون لأحد الفنانين الكبار وفي الغالب الفنان ابو الامين او الكاشف او ابوعركي
بعد أن تقلب صفحات الجرائد وتكمل حديثك مع جارك عن الرياضة والسياسة وأحوال الناس تجد نفسك في بعض الأحيان يغلب عليك النعاس فتخلد إلى النوم رغم حرارة الجو داخل البص
🔹 ثم بعد فترة تحس بنسمات هواء باردة عبر النافذة تنعش الوجدان فتعرف أنك علي مشارف مدني فتستعد للنزول وترتب حقيبتك
وتتأمل منظر مدخل المدينة خضرة ممتدة بين جنبات الطريق ،،ومنظر الرعاة القادمون من القري المتاخمة لشارع مدني الخرطوم يرعون اغنامهم وابقارهم فتري الترحاب في اعينهم ,, ثم يمر بجوارك القطار وكان قطار ( الوحدة) السريع في ذلك الوقت ينقل الركاب بين مدني والخرطوم،،
يصل البص مدخل المدينة ولم يكن السوق الشعبي موجودا،، كانت ارض شاسعة تري الاحياء البعيدة والمقابر والسلخانة القديمة،،،
يصل البص كوبري البوليس وكان علي يمينك وانت داخل وسمي بذلك مجازا لوجود العساكر في هذا المكان
وكانت هذه المنطقة مرتعا للبهايم و واسراب الطيور وتري النوارس البيض والغربان تحلق حولها ثم تري الصبية هواة صيد الطيور يحملون شباك مصنوعة من العصب ينسجونها بإتقان ،، وتراهم منهمكين في دق الاوتاد ونسج الشباك وكانوا يرجعون مع مغيب الشمس يحملون شباكهم وهي ممتلئة بصيد ثمين من مختلف أنواع الطيور الملونة بفرح غامر
ثم تمر بغابة كثيفة من شجر البان علي يمين البص وترعة البحوث الزراعية او ترعة( التجارب) كما يحلو لهم هذا الإسم وتشاهد الخفراء بزيهم المعهود الأردية والقمصان الكاكي والكاب والعصا والسكين علي ذراعهم وهم قادمون من المكاتب بعد إنتهاء عملهم وكان أشهرهم العم محمود المعروف بصرامته تجاة كل من يحاول العوم والسباحة في الترعة،،
علي يسارك حي البان وهو من الأحياء القديمة التي كانت تبعد عن بقية الأحياء الأخرى فتلوح لك منازل العم بيضاب وحاجة عرفة الداية وعبدالجليل الجاك وهو الحي الذي أنجب الشاعر المعروف( مدني النخلي) وكذلك منزل العم دفع ألله القبجي والد كابتن مجاهد لاعب الاتحاد السابق وكذلك العم إبراهيم دفع الله (قرضة) الحكم السابق المعروف لهم الرحمة وسيداحمد بك الصائغ الشهير ثم مدرسة المؤتمر الثانوية ونذكر مديرها الأستاذ طه كرار والوكيل أستاذ قيسان عم الأخ مأمون عبدالله حاج حسن،ومدرسة بانت غرب للبنات وميز الضباط وبيت الشباب
وعلي يسارك ايضا بعض منازل الحي التي تطل علي الشارع ونذكر الأمين الإمام والد صلاح باسطة وعمك الجد والعم محمد احمد والد الكوتش عبشين لاعب الاهلي والإصلاح السابق والعم احمد سليمان الجزار وعلي احمد والد عبدالعزيز والعم الجعلي والد النجمين عزالدين وعصبة اللعيبة المشهورين وكذلك العم ميرغني سلمان والد الكوتش السر ميرغني ونزار الصاروخ،،
وعلي يمينك تري عمال المنطقة الصناعية وهم قادمون بعد يوم شاق من العمل متجهين إلي منازلهم
ثم يبدا البص في تهدئة سرعته حتي يصل الصينية المعروفة عند تقاطع شارع بانت مع المنطقة الصناعية وشارع المحطة فينعطف البص يمينا مع بداية المنطقة الصناعية حيث مصنع حسين عوض للثلج ثم المغالق والورش،،
🔸في هذه الاثناء تشاهد سرب من عربات التاكسي ذات اللون الأحمر تطارد البص و كل سائق يسابق الآخر لكي يحظي بأحد الركاب
وكانت عربات التاكسي آنذاك من الطراز الانجليزي او الإيطالي أو الألماني القديم مثل الكونسول والأوبل والفيات والهنتر والهيلمان وكان سائق التاكسي مهندما بشوشا مستبشرا بالزائر يحمل عنك الحقيبة ويضعها في العربة بعد أن تحدد له وجهتك وكان قنوعا لايبالغ في الأجرة ويكتفي بماتجود به عليه وكان لايكف عن الترحيب بك والتعرف عليك وعلي أهلك وإن كنت زائرا لن تتعب في الوصول إلى مكانك،، فقط تذكر إسم عائلتك فتصل إلى وجهتك
وكان سائق التاكسي مثقفا يحدثك عن السياسة بكل ثقة يحدثك عن الزعيم الأزهري وعن جعفر نميري وعن الأحزاب ،،،وكان ملما بكل تفاصيل المدينة،،، يعرف الأسعار ،،الإيجارات،، الفنادق حتي أخبار الرياضة يفيدك بنتيجة آخر مبارة للأهلي والإتحاد
🔹كان يعرف أحياء المدينة وشوارعها وازقتها ومن اشهر سائقي التاكسي الاعمام عوض القرد ،،ميرغني العطا وسيداحمد والد اللواء عادل سيداحمد،، حميدة سعيد
عندما تصل لوجهتك ويتوقف بك التاكسي تجد بعض الاطفال يلعبون الدافوري أو كمبلت وما أن يشاهدوك وأنت تفتح الباب للنزول حتي يتسابقوا للوصول لأهل المنزل ليبشروهم بوصولك وبعضهم يحمل عنك الحقيبة وفي غضون دقائق معدودة يعرف كل أهل الحي أنك قدمت من السفر فيحضر الأهل والأصحاب والجيران للسلام عليك
وكانك قادم من خارج الوطن وتبدأ القصص والحكاوي ؛؛؛للحديث بقية