راي

دروب الحقيقة _ أحمد مختار البيت _ صدام حسين: يضع الكون أمام المرآة _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

المقال الذي كتب لمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد صدام حسين، ورفضت صحيفة آخر لحظة، التي كان يرأس تحريرها حسن ساتي نشره بعد أن وافقت على ذلك، واعلنت ذلك..
عنوان المقال:
صدام حسين:
يضع الكون أمام المرآة.

.تحتفل البشرية وأحرارها هذا العام ٬ مع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ٬ بالذكرى الأولى للحظة لا تشيخ في عمر الزمان ٬ لأنها ارتبطت بأعظم أعياد المسلمين٬ عيد الفداء العظيم ٬ فأحال الحدث إلى مدارج الخلود التاريخي ٬ بكل أبعاده الإنسانية والسياسية والحضارية. كيف لا يكون ذلك واستشهاد صدام حسين وفق دراما تجليّات البطولة التي شهدها العالم ٬ قد أسقط الدّهشة والإعجاب معاً من ذاكرة الحواس ٬ فالحدث كان نبأ ٬ لم يجد معه حتى ألدّ أعداء صدام حسين وخصومه إلا الحقيقة الناصعة، رجل تحدى الموت ٬ وهزم الخوف في الإنسانية وكشف بموته المهاب عُرى ونوازع الشّر في بعض الحُكّام .
فقد قال” القاضي ” الأرجوز الذي نفّذ حكم المحكمة -المسرحية- بأنه لا يمكن أن يخون ضميره ٬ ويقول إن صدام حسين لم يكن شجاعاً !! وأنه لم يُفصح عن ذلك، خوفا من إثارة الراي العام !! وتلك كانت هي خيانة الضمير لو كان يعلم ٬ ولكن شجاعة صدام، وبطولته المتناهية، لم تكن في حاجة إلى شهادة من القاضي الجلّاد، فقد قرأها الكون في بريق عينيه ٬ وفي نظراته وهو أمام حبل المشنقة، و كانت إبتسامته الوضاءة تنطق بالكبرياء والعزة والكرامة وحب الإنسانية، والحرص على مستقبلها المهدد من وحوش العصر والإستعمار الجديد.
لقد كشف استشهاد صدام حسين، بتلك الطريقة الملحمية ٬ مؤامرة الأعداء في الداخل والخارج، وفضح المصالح الذاتية والإقليمية والدولية التي تحرك نوازعهم الشريرة ٬ وارتباطاتهم المشبوهة ٬ لتأتي المقاومة التي انطلقت منذ لحظة إحتلال بغداد _عاصمة الرشيد- بإضافة جديدة للتاريخ، كأسرع مقاومة تحدث في تاريخ مقاومة شعوب الأرض للظلم، وما زالت تكتب فرادتها بالقلم والدم والمعاناة وأشلاء الشهداء بصبر غير معهود رغم فتك آلة الموت والدمار والتعذيب المنافي لكل القيم والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية ٬ والأديان السماوية ٬ لتعري مواقف الغرب والإمبريالية المتوحّشة٬ من تجربة البعث في العراق، ومن الحضارة العربية الإسلامية. بعد أن فاضت أوعيتها الإعلامية بالحقد والكراهية والحسد ٬ تجاه المنطقة ومآثرها الإنسانية، ورغم كل ذلك الحقد والتشفي الموغل في الصّلف والعنجهية، أضاف الشهيد مأثرة أخرى، حين طلب من شعبه، وأبطال المقاومة ألّا يحقدوا على شعوب الدول التي حاربتهم، وأن يعفوا عن بعض الذين خانوا ضمائرهم وخذلتهم مواقفهم فانحازوا للاستعمار الجديد، وعملوا أدلّاء له، ضد بني جلدتهم وشعبهم. إن صدام حسين بقوله ذلك، يعيد مقولة الحلّاج ٬ وهو أمام المقصلة، حين دعا ( اللهم أغفر لأعدائي ٬ لأنهم لم يروا ما كشفته لي )

(2)

إن أربعين مليون نخلة في أرض العراق تنحني وتحيي الذكرى الأولي لميلاد أمة اسمها صدام حسين ٬ ظلت عبر تاريخها الحافل بالأمجاد تنجب الأزهار والأنهار والأبطال وهي ترنو للمستقبل بعيون زرقاء اليمامة٬ ولكن عميت بصيرة أهلها فأمتطى حصان البطولة يقاتل وحده يأجوج ومأجوج ٬ من وراء النخل ٬ وهو يستلهم تاريخ العرب والمسلمين منذ بدر وأُحد ٬ حتى حطين والفلوجة والرمادي. وما زالت الأرض تقاتل بتاريخها آلة الدمار والاستعمار الجديد.
لقد حدثنا التاريخ عن عمرو بن معديكرب، كانت تفرُّ من وجهه الأسود ٬ حين يرد الماء ٬ ولكنه لم يحدثنا عمن يفر من وجهه الموت والخوف إلّا صدام حسين.
وحدثتنا كُتب الأدب والشّعر، عن حب عنترة لعبلة وقيس لليلى بنت سعد. وعن مراتب العشق والوله والهيام ٬ ولكنها لم تحدثنا عن توحّد المحب مع من يحب مثلما توحد صدام مع أمته وتاريخها ووطنه ومواقفه، و مع الإنسانية ٬ وقيمها المطلقة. وتكلّمت السّير وكُتب القصص عن التّضحية والإيثار وعن مدارج الصبر والثبات ٬ ولكنها لم تحدثنا عن إخضرار النخل وسط الزلازل والبراكين إلّا في تجربة صدام .
الأحنف بن قيس – ومن عجب هو من بلاد الرافدين_ ويضرب به المثل في الحلم – ويقولون إذا غضب الأحنف يغضب لغضبه ألف سيف دون أن يسألون عن السّبب ٬ ولكن لم يسجل تاريخ الأدب العربي أن قائداً طلب من شعبه أن يعفو عن القتلة والأعداء .
وسيعرف قادمون،ويحب منّا حاسبون كما يقول الشّاعر السُّوداني صلاح أحمد إبراهيم – أي حب قد حمله صدام حسين للعرب والمسلمين والإنسانية، وسيعرف عملاء الإحتلال من العراقيين، ومن غير العراقيين، ولو بعد حين، عظمة صدام حسين ٬ وصواب موقفه وصدق تنبؤآته ٬ وسيعرف عملاء الإحتلال ٬ بكل ألوانهم وجنسياتهم ٬ أنهم قد شاركوا في تزوير التاريخ وخيانة الحقيقة، ومساندة الباطل – وأي باطل – باطل الإحتلال الأمريكي البريطاني، الذي أعترف قادته بعد أن تركوا الخدمة في الجيوش، وعادوا إلى حياتهم العادية ٬ بكذبهم على شعوبهم وتزويرهم الحقيقة، من أجل أهداف خبيثة، ولا تمت إلى ما قالوه لشعوبهم ٬ وشعوب العالم بصلة، وأن الأمر لم يكن سوى مصالح.
ونحن بين يدي الذكرى الأولى للشهادة الأبهى والأزهى، لابد أن نستخلص بعض الدروس التي جادت بها تلك الملحمة، وأهداها صدام حسين للبشرية… أول هذه الدروس هو :
أن الحق أقوى من كل جبروت العالم وطواغيته، وإن جمعوا كل آليات الدمار في الكون. وأن الحقيقة مهما طال ليلها لابد أن يشرق فجرها .
وثاني الدروس التي أهداها استشهاد صدام حسين، بتلك البطولة الفذة، هي أن إرادة الشعوب لا تقهر ٬ وأن مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تُصدّر، لأنها ليست سلعة ٬ تُستورد من مصانع الغرب الأوربي .
وثالث الدروس هو أن المفاهيم التي ظلت تتشدّق بها الولايات المتحدة الأمريكية من ديمقراطية وعدالة ومساواة وحقوق إنسان، لم تكن سوى أقنعة تتدثر بها لتحقيق أهدافها ومآربها في العالم .
ورابع دروس ملحمة العراق ومقاومته هو أن الأنظمة العربية التي تعيش في ظلها الشعوب ٬ هي أصنام فاقدة لقيم الرجولة ناهيك عن مؤهلات الحكم، ومراعاة مصالح الشعوب وحراسة حصونها وشرفها، فقد وضح بما لا يدع مجالاً للشّك أن النظام العربي الرّسمي مخترق حتى النخاع ٬ وهو إمتداد طبيعي للاستعمار الجديد، في العديد من وجوهه . وأن أقلام كثيرة وقنوات فضائية عديدة، قد تم ترويضها لصالح المشروع الاستعماري الجديد، وأن آليات القمع وتدجين الشُّعوب قد تطورت بصورة مدهشة في العصر الحديث .
وخامس دروس ملحمة استشهاد صدام حسين بذلك الثبات المهيب ٬ هو أنه فضح خوف الحكام، وعرّى رجولتهم ٬ وأحالهم أمام شعوبهم إلى دُمى يحركها الغرب وفق مشيئته، وأن الشّعب العربي في كل بلدانه، أمام معركة طويلة ومتعددة الصفحات، والاتجاهات ٬ سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، خاصة بعد أن وضح الفارق التكنولوجي الهائل بين دول العالم الثالث، ودول الاستعمار القديم الجديد. فقد ظلت دول المنطقة تتطور نحو الخلف ٬ وكان العراق بقيادة صدام حسين ٬ هو الاستثناء الوحيد المرشح لقيادة الدول العربية والأفريقية للخروج من دائرة التّخلف التكنولوجي ٬ بعد أن وظف كل إمكاناته المهولة لخدمة العلم والخلق والابتكار، فاستهدفه الاستعمار الجديد بالعنف غير المسبوق الذي شهده ويشهده العالم حتى اللحظة ضمن حروب لم يعرفها العالم من قبل، والسبب هو أن العراق بقيادته التي شهد مواقفها الكون ٬ وإمكاناتها المتجددة مثّلث رأس الرمح في المعركة الحضارية مع الاستعمار بثوبه الجديد.
وآخر دروس استشهاد صدام حسين الفلسفية، هو أن الإنسان قد يحيا بالموت ٬ فصدام حسين اليوم (مثل أعلى) للبطولة والفداء والتّضحية والصبر ٬ وكل قيم الخير والفضيلة ٬ تتطلع إليها البشرية في كل جهات الأرض، ونموذجاً يُحتذى وجيل من الشّباب يحمل اسمه ٬ وذاكرة مرحلة تختزن لحظات البريق والتجلي والإلهام تستعصي على الكتابة والرّسم والصورة والتعبير والنحت والموسيقى والغناء .
المجد لأمة الشهداء التي كان عنوانها وعنفوانها ٬ وهو يرسم لها طريق المبادئ الخالدات، ودفع باهظ أثمانها مع الخالدين وهو راض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى