نحن و غزة …..الحقيقة القاسية
✍ آدم آدم إساي
المعارك الدموية التي تشهدها غزة قد وضعتنا أمام حقيقة مرة و كشفت عن قصور في طريقة تفكير قطاع واسع من الشعب السوداني ، يظهر ذلك من خلال تعاطيه و تفاعله مع مجريات الاحداث و يوميات الحرب في قطاع غزة ، إذ أن الكثيرين من أبناء شعبنا المغلوب على أمره كان تفاعلهم مع الجرائم المصاحبة للحرب هناك اكثر من تفاعلهم مع الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني باكمله جراء الحرب العبثية المجنونة التي دخلت شهرها السابع ، الحرب التي بسببها مات عشرات الٱلاف ، تشرد الملاين و تدمرت البنى التحتية في ولاية الخرطوم و ولايات دارفور ، ما حدث بالسودان خلال نصف عام افظع و أشنع بكثير مما حدث في قطاع غزة ، لكن رغم كل ذلك كانت درجة اهتمام البعض بما يحدث في فلسطين أعلى من أهتمامهم باوجاع وطننا المنكوب و شعبه المنهوب ، نعم إن الضمير الإنساني يحتم علينا الوقوف مع المستضعفين في كل بقاع الأرض ، و إن نستنكر كل الجرائم التي تقع في حق المدنيين العزل ، غض النظر عن دياناتهم و خلفيتهم العرقية، لكن اوجاعنا أولى بالإهتمام من اوجاع غيرنا.
ما حدث في مدينة الجنينة من تهجير قسري لسكانها من مزابح ارتكبت على أساس أثني هو افظع بكثير مما ارتكب في عزة خلال الايام الماضية ، الخرطوم تتعرض لحصار منذ نصف عام ، هجرها أغلب سكانها هربا من جحيم المدافع و غارات الطائرات ، هناك مجازر ارتكبت في حق المواطنين العزل بإستهدافهم بقذائف الطيران الحربي ، مجزرة سوق قورو نموذجا حينها تعامل البعض ما المجزرة بشكل منافي للإنسانية فقالوا : إنهم يستحقون الموت لأنهم متعاونين مع الدعم السريع ، عندما سألناهم كيف توصلت إلى هذه الحقيقة ، عجزوا عن الإجابة ، أخرون ذهبوا إلى إبعد من ذلك عندما قالوا يجب سحقهم دون رحمة كان مبررهم أن سكان منطقة مايو اغلبهم ينحدرون من اصول غرب إفريقية !! كأن من ينحدرون من اصول غرب إفريقية لا ينتمون للإنسانية و إن دمهم مباح و يستحق السفح !! .
إنه امر مفجع أن نبخس اوجاعنا و نستهين بأحزاننا ، نبكي لمصيبة الغير و كوارثنا احق بالنحيب و العويل ، نفرح بخروج الشعوب الأروبية في مسيرات منددة بالعدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة و المطالبة بوقف العمليات الحربية ضد الشعب الفلسطيني و نعتبر ذلك دليل على دموية إسرائيل ، لم نسأل أنفسنا لماذا لم تخرج مدينة واحدة داخل السودان منددة بالحرب المجنونة و التي وصفها من كان سببا في إشعالها بالعبثية ؟ لماذا لم نرى شعار لا للحرب مكتوب على جدران المدن السودانية ؟ لماذا صمتنا و تركنا دعاة يوزعون خطابات الكراهية بين مكونات الشعب السوداني و يخونون كل من لا يرفع شعار ( بل بس ) ؟ لماذا نطالب بوقف الحرب في غزة و لا نخرج للمطالبة بوقف الحرب في السودان ؟ هل الشعب السوداني يستحق الموت في نظر البعض منا ؟ و هل دمه رخيص لهذه الدرجة ؟
للحقيقة أن حالة التماهي مع مشاكل الغير و تبنيها لم تكن وليدة هذه الحرب ، فهي ملازمة لكل الحروب السودانية إبتدأ من حرب الجنوب و مرورا بحرب دارفور ، نجد أن مئات الألٱف من السودانيين يخرجون في مسيرات تضامن مع الشعب الفلسطيني تشجب جريمة قتل طفل فلسطيني ، في الوقت الذي يموت فيه ألٱف الأطفال في دارفور ، تزال قرى بأكملها من الوجود ، ترتكب إبادات جماعية و تمارس عمليات تطهير عرقي ، كان الكثيرون يمارسون الصمت العار و يتواطؤن بالصمت ، كانت الدولة السودانية الكيزانية ترسل عشرات سيارات الأسعاف إلى لبنان أيام حربها مع إسرائيل في الوقت الذي يموت فيه المواطن السوداني بسبب عدم وجود سيارات الإسعاف في أغلب مستشفيات السودان ! دائما خيرنا يذهب لغيرنا ، هذه مظهر من مظاهر الخلل في الشخصية السودانية ، التي تهتم بمن لا يهتمون بها ، لم اسمع طوال حياتي أن مدينة من المدن العربية قد خرجت في مسيرات لمناصرة قضايا السودان و محنه المتتابعة ، الحرب الحالية خير دليل على ذلك .
بعد كل ذلك استغرب لمن يسأل لماذا أصبحت القنوات الإخبارية العربية لا تهتم باخبار السودان منذ إندلاع الحرب في غزة ؟ الإجابة بكل بساطة أننا لا نشغل أي حيز في تفكير العقل العربي! نحن لسنا على قمة اولوياتهم ، هذه هي الحقيقة القاسية، قبل أن نلقى العتاب على الأخرين يجب أن نلوم أنفسنا ، إذا كان البعض منا لا يهتم بمٱسيه و مشاكله العويصة لماذا يطلب من الأخرين أن يهتموا به ؟ ، خلاصة القول هي يجب أن نهتم بقضايا اولا ثم الأهتمام بمشاكل الأخرين ، يجب أن لا نركض إلى من لا يسعى إلينا ، اوجاعنا أولى بالإهتمام .