طبيب نجيب آخر
كنت طالبة بكلية التمريض العالى السنة الأولى (يعنى مكتوبة بقلم الرصاص ) ….وكان اليوم مساء الخميس حيث تخرج الطالبات لقضاء الأمسية مع ذويهن ..وبعضهن يقضين الجمعة أيضا إذا كن من العاصمة …وبقيت أنا لأستعد لإمتحان مهم وفاصل فى صبيحة السبت …
فشعرت بآلام فى معدتى أخذت تزيد حتى رأتنى إحدى (العاملات يالكلية ) وبذلت حهدا مشكورا من نعناع ومحريب مغلى شفعا للألم ببعض التراجع. …
وفى اليوم التالى مساء عاد الألم مرة أخرى فقررت زيارة الطبيب خوفا من أن يزيد ليلا ..ونسيت أن الأطباء يغلقون عياداتهم مساء الجمعة …فسرت فى شارع (الدكاترة ) ووجدت كل العيادات مغلقة …وبدأ الخوف واليأس يتملكاننى غير أنى سرعان ما رأيت عيادة بابها مشرع ..ونظرت للافتة وقرأت (د. كمال زكى أخصائى جراحة العظام ) …وتأملت الحظ السىء ..ماذا سيفعل لى هذا الطبيب ؟ ولم أكن أعرفه أورأيته يوما ..ولم يكن لى خيار ..فدخلت ورأيت الممرض الشاب يجلس على كرسى أمامه طاولة بها دفتر تسجيل المرضى …كانت العيادة خالية تقريبا ..فقلت له ..(هل الدكتور موجود ؟ ) فأجاب بالإيجاب …وطلب ثلاثة جنيهات رسوم الكشف …فدفعت له ..ثم أدخلنى للطبيب ..الذى استقبلنى ببشاشة لن أنساها ..لأنها أنستنى مرضى وقد كنت خائفة أن يسخرمنى ولو فى سره عن علاقة مرضى باختصاصه ..فبدأت بالإعتذار لأننى لم أجد طبيبا آخر …فقال لى مداعبا ( يعنى أنا ما أنفع ؟ طيب جربينى ) وضحكت لخفة دمه ..فسألنى عن إسمى ثم عملى فقلت له خجلة ( أنا طالبة بكلية التمريض ..بس سنة أولى ) فنظر لى فى اهتمام ثم قال ( يعنى زميلة ؟ ) فضحكت من أعماقى ..فإذا به ينادى على الممرض ويسأله بجدية (أخذت منها فلوس ؟) فأجاب الممرض بالإيجاب وهو يردد بصره يبننا ..ثم قال ( والله ما كنت فاكر إنها قريبتك ) فقال الطبيب (لأ …قريبتى تشيل منها …لكن زميلتى لأ…لأ فاهم ) ولم يبد أنه فهم أن المفعوصة اللى هى أنا زميلة الأخصائى …وأعاد لى النقود وكشف على الطبيب ..ثم فتح دولاب صغير وزودنى بعدة أدوية …وكتب لى قصاصة ورق على أن أذهب للحوادث فى حالة تدهور الموقف ..وأوصانى بشرب كثير من الماء …
وخرجت عائدة للداخلية ..وتناولت العلاج الذى شفانى وتوقف الألم فى نفس الليلة واستطعت الجلوس للإمتحان صباح اليوم التالى وكأننى ولدت من جديد.
الدكتور كمال زكى هو شقيق الدكتور عاصم زكى أخصائى النساء والتوليد ..كل ما استطعت أن أعرف عنهم أنهم هكذا محسنون ويقومون بالواجب خير قيام… ..لأ أدرى إن كان يذكرنى ولكن موقفه إنطبع بالنور فى داخلى …وعندما سمعت بوفاته بكيت الإنسانية والروح الطيبة ودعوت له بكل خير …هو منارة سامقة أخرى من الأطباء القدامى …!