راي

شاهيناز القرشي تكتب ..*أمريكا ستنقذ مستقبلها بالسيطرة على السودان* _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

*شاهيناز القرشي*

هل تظن أن كل هذه الجهود الأمريكية لإيقاف الحرب في السودان هي من أجل نفس السودان الذي نعرفه؟ هل تظن أنّ أمريكا ستتوقف وترضى بإيقاف مخطّطها؟ إذا ظننت أن أمريكا ستتوقف إذن أنت لا تعلم ماذا تريد أمريكا.

دخل العالم إلى ما يعرف بالركود التضخمي وهو حالة غريبة اقتصادياً وتجمع بين متضادين، التضخم الذي يعني ارتفاع سعر السلع مقابل العملات وعادةً يتم معالجته بسحب النقود من السوق برفع سعر الفائدة وتحديد سقف السحوبات من البنوك وعدد من الإجراءات الاقتصادية، والركود يعني شح السيولة وعزوف الناس عن الانفاق حتى وإن انخفضت الأسعار، و يعالج الركود بعملية عكس التضخم وذلك بتخفيض سعر الفائدة لتشجيع الناس على الاقتراض من البنوك وزيادة الاستثمارات وخلق الوظائف ليزيد الصرف ويكسر الركود، ولكن في عالم اليوم تزيد أسعار السلع كل يوم مع وجود ركود في السوق وذلك بسبب ارتفاع سعر المواد الأولية لعدة عوامل منها حرب روسيا على أوكرانيا والاضطرابات في البحر الأحمر، والهزّة في السوق الأمريكي الذي يظهر فيه الركود التضخمي بوضوح.

في بداية سبعينيات القرن الماضي وخلال حرب أكتوبر حظرت الدول العربية تصدير البترول إلى أمريكا وهولندا لدعمهما العسكري لإسرائيل مما أدخل أمريكا و أوروبا في ركود تضخمي عنيف وكان هذا جرس إنذار لأمريكا والتي سارعت إلى نقل عدد من الصناعات خارجها إلى الدول الأسيوية مثل الصين وكوريا والهند، وهذه النقلة قفزت باقتصادات تلك الدول بسرعة كبيرة وأخرجت أمريكا من مازق ارتفاع أسعار المواد الأولية، ويجب الآن تكرار نفس النقلة ولكن ليس للخروج من الركود التضخمي فقط بل لتجهيز أمريكا ودول العالم الأول للانتقال للبعد الخامس، والبعد الخامس هو مصطلح روحاني يستعمله مدربي الحياة (life cotches) للتعبير عن الجمع بين الرفاهية والروحانية والصحة والأخلاق والتناغم مع الطبيعة، وأنا أضيف عليه الذكي ليصبح البعد الخامس الذكي، فالنتحدث أولاً عن النقلة الصناعية والحضارية التي يجب أن تحصل في السودان وبعض الدول الإفريقية تحديداً:

ستنقل أمريكا والصين وربما أوروبا عدد من الصناعات الكبيرة لهذه الدول، صناعات تحتاج لمواد أولية معدنية وزراعية ومائية وكذلك تحتاج لاستهلاك طاقة غير نظيفة ولها مخلفات ليست من السهل التخلص منها ولها آثار مضرة على البيئة، صناعات تحتاج لمواد أولية رخيصة وعمالة رخيصة ودول تعاني الفقر والتخلف، دول تحتاج للتطور لتصبح مثل أمريكا أو الصين الحالية و بفضل الصناعات المنقولة والتضحيات البيئية المقدمة ستنتقل هذه الدول للبعد الثالث الذي تعيشه دول العالم الأول في وقتنا الحالي، بُعد فيه الصناعة مقدمة على البيئة والعمل على الحياة الاجتماعية وجني المال مقدم على إنجاب الأطفال حتى أصبح الزواج والأسرة والأطفال فكرة لا تلاقي الكثير من الترحيب وإن كان لابد منها فالتكون في أضيق نطاق وأقل عدد من الأطفال حتى كادت هذه المجتمعات أن تنقرض وتفوقت فيها أعداد الشيخوخة على الشباب وأصبحت علاقة الشاب بأهله تنتهي عند خروجه من المنزل في سن الثامنة عشر، وكذلك ستخفف هذه النقلة من تكلفة النقل فبدلاً عن نقل المواد الأولية للمصانع في الغرب وإعادتها إلينا كسلع، سيكون النقل باتجاه الغرب فقط لمرة واحدة عند اكتمال التصنيع .

أكبر المشاكل التي تواجهها الدول العظمى هي التلوث، وانخفاض انتاجية الأراضي الزراعية وانحسار المساحات المزروعة لصالح المدن، والازدحام المروري، والتغيرات المناخية التي تهدد بارتفاع نسبة المياه في الأرض بسبب ذوبان الجليد، وهذا الارتفاع من الممكن أن يجعل التمدد في المباني العمودية مستحيل لأن ثقلها الهائل يشكل ضغط على الأرض مما يهدد بعض المدن بالغرق ونيويورك مثالاً.

في البعد الخامس ستكون المدن ذاتية الاكتفاء من الطاقة النظيفة المتجددة وتنتج غذاءها من المباني الخضراء حيث لن يخلو مبنى من الزهور والفواكه والخضار، ستدمج المزروعات بشكل هندسي رائع خلاب مع المباني الذكية، ستكون الحركة في المدن سهلة ميسرة بسبب تقليل الكثافة السكانية حيث سينتقل عدد كبير للدول الصناعية الجديدة وستقل الهجرة إلى دول البعد الخامس، ستركز هذه الدول على الصناعات الذكية عالية التكنولوجيا في مجالات الاتصالات والنقل والطب والزراعة والتي ستعتمد بشكل كلي على الطاقة النظيفة، ستسعى هذه الدول إلى إخراج مواطنها من الضغط العملي الذي أفرز مجتمع يركض خلف لقمة العيش، سينتقل إنسان البعد الخامس للسلام المجتمعي بعد أن أصطدم بجدار المادية الذي فكك المجتمع وأخرجه عن الفطرة
سنرى تحولات في سلوك مجتمعات البعد الخامس على حسب ما وصلوا إليه وستكون العلاقات الاجتماعية والمحافظة على البيئة والطبيعة والحيوانات أولى أولياتهم، وربما نرى تخلي عالي عن الكحول والمخدرات والأدوية والأسمدة، وستنزل مشاكل هذه المجتمعات إلى الدول الإفريقية الصناعية الجديدة، وربما تكون بشكل أعنف لأن التطور المالي والمجتمعي سيكون أسرع ولا يمر بالتدرج الطبيعي الذي مرت به الدول الصناعية الحالية أثناء نموها.
إذن، السودان – وعدد من الدول المختارة – سيكون هو مصنع ومزرعة مجتمع النخبة في البعد الخامس أو ما يطلق عليه المليار الذهبي، والسيطرة على السودان تعني مقدرة الدولة المسيطرة على تنفيذ الانتقال بسلاسة وضمان وجود مصدر ثابت للاحتياجات الصناعية حتى يتم الاستغناء عنها والوصول للمنتجات الذكية بشكل كامل.

في الغالب ستستمر هذه المرحلة ما بين خمسين إلى مئة سنة حتى يكتمل هذا الانتقال وبعدها ستجد الدولة التي استقبلت هذه الصناعات المنقولة نفسها قد أصبحت من التاريخ وعادت إلى نقطة التخلف والرجعية التي بدأت منها مع مشاكل مجتمعية ضخمة، لذلك لابد أن تسعى هذه الدول للتوازن حتى لا يصبح الفرق شاسع بين العالمين في لحظة اكتمال الانتقال وحتى تستطيع أن تحقق القفزة للبعد الخامس بشكل منطقي، لأن محاولة مجاراة هذه الدول من وضعنا الحالي مستحيلة، يمكننا أن نقبل بالصناعات والشاهقات والنفايات ولكن ليس بالضرورة أن نسير على خطاهم حتى جحر الضب، يجب أن يكون لنا دور في الخروج عن المسار المرسوم والمتوقع، يجب أن نتلافى الوقوع في مشاكل المادية، كنا نتوقع أن مدن التطور القادم ستكون أكثر صخباً وارتفاعاً ومادية ولكنهم يتجهون لعكس المتوقع فقد تعلموا الدرس ويجب أن نتعلمه نحن أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى