كنا في العام 2014 حضورا في مؤتمر إعادة تاريخ افريقيا بقندق كورنثيا وسط الخرطوم برعاية اليونسكو ومشاركة قيادات سياسية وثقافية وطنية ووفود افريقية عالية المستوي وقد كانت المذيعة السودانية بهيئة الإذاعة البريطانية زينب البدوي وقتها من أكثر الشخصيات اهتماما بإعادة تاريخ افريقيا الا انها لم تقدم قعاليات المؤتمر ربما لانها لا تجيد اللغة العربية بحكم مغادرتها الي بريطانيا وهي طفلة ذات ثلاث سنوات فقط لذا تركت فرصة التقديم للدرامي المشهور علي مهدي الذي كان سفيرا للنوايا الحسنة من قبل الأمم المتحدة.
اكثر ما لفت انتباهي في ذاك المؤتمر ان جميع فعالياته كانت باللغة العربية رغما عن الحضور الافريقي الكبير من غير العرب و الغريب ان فقرات البرنامج تخللتها وصلات غنائية قدمها الفنان شرحبيل احمد بالسواحيلية ووجدت حظها من القبول الافريقي و لا ادري لماذا حرص منظمو المؤتمر علي إيصال الأغاني للضيوف اكثر من حرصهم علي تمليكهم المعلومة .
عندما فتحت فقرة المداخلات بالمؤتمروجهت سؤالي لاحد المختصين رافعا حاجب الدهشة بان القائمين علي امر الترويج لتاريخنا و حضارتنا لم يخاطبوا العالم بلغته المطلوبة و هي الإنجليزية فكيف يفلحون في تصحيح أخطاء تاريخ السودان كجزء من تاريخ افريقيا باللغة المحلية؟ المسئول اجابني قائلا سؤالك هذا يجب تحويله لمعهد الدراسات الافريقية التابع لجامعة الخرطوم !!
لم تكن تلك اللحظات هي الوحيدة التي نبهتني الي أهمية اللغة الإنجليزية بالنسبة لمنابرنا الإعلامية وخصوصا الصحافة السودانية و بعدها بوقت قليل و في نفس العام 2014 دفعني شغفي في هذا الموضوع للبدء في برنامج الماجستير في الصحافة باللغة الإنجليزية فتقدمت بطلبي لجامعة الجزيرة و بعد انتظار امتد لما يقارب الشهر جاءني الاعتذار الصادم من قسم الاعلام بكلية علوم الاتصال بانه تم رفض الطلب نظرا لان الجامعة تعتمد اللغة العربية كلغة رسمية للتدريس كما انه لا يوجد متخصص في اللغة الإنجليزية للقيام بدور الاشراف!! لم يكن امامي خيار سوي القبول بالدراسة باللغة العربية الا انني اخترت لبحثي عنوان دور الصحافة السودانية الصادرة باللغة الإنجليزية في تشكيل الراي العام العالمي تجاه قضية دارفور و قد خلصت بعض نتائجها الي ان الصحافة الإنجليزية في السودان منذ بدايتها استهدفت الأجانب المتواجدين في السودان اكثر من السودانيين كما ان تعريب المناهج التعليمية و انعدام وسائط إعلامية اخري ناطقة بالانجليزية قلص كثيرا من حظوظها .
و من الملاحظ أيضا ان الصحف الإنجليزية في السودان ارتبطت كثيرا بوجود الجنوبيين لذا انحسرت بدرجة شبه كاملة بعد انفصال الجنوب عام 2011 فعلي سبيل المثال اختفت خرطوم مونيتور و سودان تربيون و جوبا بوست و سيتيزن و ادفوكات و لم تصمد سوي صحيفة انجليزية واحدة و هي سودان فيشن التي كانت تدار بواسطة الشماليين و يتراس تحريرها لفترة طويلة الأستاذ سيف الدين البشير.
ان كانت صحافتنا الإنجليزية اثناء ازمتنا الحالية في احسن حالاتها لربما كانت اصواتنا اعلي في تحريك الضمير العالمي و لكنا اكثر قدرة علي التعبير عن معاناتنا بلغة يفهمها الكثيرون و قديما قيل من تعلم لغة قوم أمن مكرهم.