راي

شيء للوطن ــ م.صلاح غريبة Ghariba2013@gmail.com ــ معركة السيادة في أروقة الدبلوماسية: هل ينجح السودان في محاصرة “الإرهاب” دولياً؟ ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

بينما تشتد المعارك الميدانية في أطراف الفاشر وصحاري السودان، خاضت الدولة السودانية في القاهرة معركة من نوع آخر؛ معركة “تثبيت التوصيف” واسترداد المبادرة الدبلوماسية. لم يكن خطاب وزيرة مجلس الوزراء، الدكتورة ليمياء عبد الغفار، أمام الشراكة الروسية–الإفريقية مجرد سرد للانتهاكات، بل كان إعلاناً عن استراتيجية سودانية جديدة تقوم على ثلاثة محاور: الحسم القانوني، التحالفات البديلة، والعمق العربي.
انتقلت الحكومة السودانية من مربع “الشكوى” إلى مربع “المطالبة القانونية” بدعوتها الصريحة لتصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية. هذا التحول ليس مجرد استعراض لغوي، بل هو محاولة لمحاصرة المليشيا في المنظومة المالية والقانونية الدولية. فالتوصيف بـ”الإرهاب” يرفع الغطاء عن الجهات الإقليمية التي تقدم الدعم، ويضعها في مواجهة مباشرة مع ميثاق الأمم المتحدة. إن ربط “الدعم” بـ”الشراكة في الجريمة” هو رسالة تحذيرية شديدة اللهجة للقوى التي تراهن على حصان التمرد الخاسر.
يُظهر التقارب السوداني–الروسي المعلن في القاهرة توجهاً جيو-سياسياً نحو “تعدد الأقطاب”. السودان اليوم يبحث عن شركاء يحترمون “مبدأ السيادة” دون إملاءات سياسية، وهو ما تجده الخرطوم في النموذج الروسي. التوقيع على بروتوكولات تعاون اقتصادي في ظل الحرب ليس مجرد ورق، بل هو إشارة لثقة موسكو في قدرة الدولة السودانية على البقاء والاستمرار، واعتراف صريح بشرعية المؤسسات الوطنية في مواجهة محاولات التغييب.
تمثل اللقاءات مع وزيري خارجية مصر والجزائر “حائط الصد” العربي للسيادة السودانية، فمصر، تظل الشريك الوجودي الذي يرى في استقرار مؤسسات السودان أمناً قومياً له، والحديث عن “إعادة الإعمار” من القاهرة يعكس قناعة مصرية بأن الحرب تقترب من نهايتها لصالح الدولة، وتحمل عودة الدبلوماسية الجزائرية وتثمينها لعودة الحكومة للخرطوم دلالة رمزية هائلة، باعتبار الجزائر صوتاً وازناً في الاتحاد الإفريقي، مما قد يمهد الطريق لعودة السودان إلى مقعده الإفريقي المجمد.
الرسالة الأهم التي حملها الحراك السوداني في القاهرة هي أن “السيادة ليست محل تفاوض”. الدولة السودانية، رغم جراح الحرب، ترفض الوصاية الدولية وتتمسك بسلام يحفظ كرامة الشعب. إن نجاح السودان في تحويل “تعاطف” العالم إلى “قرارات” تصنف المتمردين كإرهابيين هو التحدي القادم، لكن المؤشرات تؤكد أن الدبلوماسية السودانية بدأت بالفعل في تضييق الخناق على المليشيا خارجياً، تماماً كما يفعل الجيش داخلياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى