شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ نداء التعبئة: “كردفان الكبرى” ومواجهة المخطط الإقليمي ــ بعانخي برس
بعانخي برس

تشهد منطقة كردفان تحولاً نوعياً في مسار الصراع الدائر، حيث تتصاعد الدعوات لـ “التعبئة المجتمعية العامة والاستنفار” في محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية والوقوف في وجه التهديدات المتزايدة من الجماعات المسلحة، إقليمية التمويل. هذا الحراك، الذي تقوده جهة مجتمعية واسعة تحت مسمى “تحالف كردفان الكبرى”، يمثل خطوة متقدمة نحو “عسكرة المجتمع” بهدف الدفاع عن الذات والأرض، مستلهماً في ذلك رمزية تاريخية عريقة.
تأتي هذه الخطوة كرد فعل مباشر على الانتهاكات والمجازر المروعة التي ارتكبتها القوات المتمردة في مناطق مجاورة، وبخاصة ما ورد من أحداث مأساوية في مدينة الفاشر ومدينة بارا. لقد أوضح البيان الصادر عن اللجنة التحضيرية للتحالف أن التصدي لهذا العنف والهمجية أصبح ضرورة حتمية، وأن الخيار الوحيد المتاح أمام المكونات المجتمعية في كردفان هو “الاستعداد والتجهيز والتصدي” لهذه المجموعات التي وُصفت بأنها “مرتزقة العالم” ومدعومة من “دويلة شر” خارجية.
التحالف لم يكتفِ بإصدار بيان حماسي، بل وضع خطة عمل مفصلة وطموحة تهدف إلى تحويل نداء التعبئة إلى واقع ملموس على الأرض. تضمنت الخطة محورين أساسيين، اولهم التجنيد والتدريب فتقرر فتح باب التسجيل لـ 5000 مستنفر في المرحلة الأولى خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع، فتم تحديد حصص واضحة لكل ولاية من ولايات كردفان الكبرى (الشمالية، الغربية، والجنوبية) لضمان مشاركة واسعة ومتوازنة، وتتنوع البرامج التدريبية بين التدريب الأساسي والمتقدم والتدريب الفني لتناسب مختلف القدرات، وطُلب من المكونات المجتمعية تشكيل لجان للتعبئة والتسجيل للبدء في مهامها فوراً.
ثم التعبئة الإعلامية والدعم المجتمعي بتفعيل برامج تعبوية واسعة تشمل إصدار بيانات رسمية، طباعة ملصقات، تنظيم أحاديث في المساجد (خاصة في مدينة الأبيض) يوم الجمعة القادم، وبرامج إذاعية متخصصة، بالإضافة إلى كتابات تحريضية في المواقع الإلكترونية، والعمل على تهيئة المجتمعات للمساهمة الفاعلة في دعم وإسناد المعسكرات مادياً ولوجستياً، إيماناً بأن “المال قوام الأعمال”، والتأكيد على أن هذا العمل يتم بالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة النظامية، واعتباره أكبر دعم لها في مواجهة “المخطط الإمبريالي الخطير”.
من اللافت للانتباه أن البيان يستدعي الذاكرة التاريخية المجيدة لكردفان، مشيراً إلى ذكرى موقعة شيكان قبل نحو مائة وخمسين عاماً، وكيف استطاع الأجداد إلحاق الهزيمة بالقوات الغازية للمدعو “هكس باشا”. هذا الاستدعاء ليس مجرد تذكير، بل هو تأطير للصراع الحالي على أنه استمرارية لنفس “الجشع الإمبريالي” الذي مثّله هكس باشا بالأمس، وتمثله اليوم “الدويلة الحقيرة” الداعمة للمليشيا.
هذا الربط التاريخي يهدف إلى رفع الروح المعنوية وتأصيل المشروع الدفاعي في الوعي الجمعي، ليتحول القتال من مجرد رد فعل إلى واجب وطني وتاريخي، وإلى إثبات للذات في وجه كل طامع يريد “نهب مقدّرات ثروات وموارد” البلاد.
التحرك المجتمعي المكثف في كردفان يعكس تغيرًا في استراتيجيات الدفاع، حيث لم يعد الاعتماد كلياً على القوات النظامية، بل أصبح هناك إيمان بضرورة انخراط المكونات الأهلية بشكل مباشر وممنهج في مواجهة التهديدات الوجودية. هذه المبادرات، رغم أهميتها في سد الثغرات الأمنية، تثير تساؤلات حول مستقبل هذه التعبئة، ففي مدى الانضباط والفعالية: نسأل هل ستنجح لجان التعبئة والتسجيل في تحقيق الهدف المحدد بـ 5000 مستنفر خلال أسبوع واحد؟، وما هي آلية التنسيق والدمج الفعلية لهؤلاء المستنفرين ضمن المنظومة العسكرية الرسمية لضمان فعالية استخدامهم والحد من أي تجاوزات محتملة؟، وهل يمكن للمجتمع المحلي أن يستمر في إسناد هذه المعسكرات مادياً ولوجستياً على المدى الطويل؟
في الختام، يُنظر إلى نداء التعبئة في “كردفان الكبرى” على أنه إعلان صريح عن نهاية زمن السلبية وبداية مرحلة الاعتماد على الذات في الدفاع عن الكرامة والمقدّرات. إنها صيحةٌ تذكّر الجميع بأن الأوطان تُبنى وتُحمى بتضافر جهود أبنائها، وأن التاريخ يكرر نفسه ليُظهر أن الإرادة الشعبية الصادقة هي القوة التي لا تُقهر في وجه أي مخطط إقليمي أو محلي.




