أمي كاملة الإنسانية و مكتملة العقل
آدم آدم إساي/ آدم أيتاي
قبل ثلاثة اعوام اغمضت أمي عينها إلي الأبد ، لن تستيقظ صباحا لتشرب معي الشاي و تسامرني بحكاياتها الممتعة ، لن تنهض من نومها لأداء صلاة الفجر و تملأ البيت بتسبيحاتها الخاشعة و لن تملأ مسمعي بدعواتها المأثورة الخاص بها ، لم تكن تسعير دعواتها الفجرية من أحد ، كانت إبتهالاتها بلغتها ، لغة الكانمبو مطعمة ببعض المفردات العربية ، كانت أمي عميقة الأفتخار بلغتها ، ورثنا منها هذا الإفتخار ، كانت دائما تردد علينا ( إذا كنت تتحدث بألف لغة و تجهل لغتك ، فأنك تحسب ابكما) ،
لم تكن أمي عائشة حسن ( أيتا أسنروم ) مجرد امرأة عادية عاشت حياة رتيبة ، كانت حياتها سجل حافل بالتواريخ و الحضارات كأنها شهدت ميلاد الأزمنة و عايشت طفولة الحقب و العصور ، أسلافها كانوا من عشائر ( الكنغينا ) إحدى قبائل شعب الكانمبو التي عاشت في حقبة ما قبل الميلاد في مناطق الصحراء الكبرى و فزان ، تبستي التي تفصل بين ليبيا و تشاد ،
ثمة دلائل على أنهم سكنوا مناطق تاسيلي جنوب الجزائر بالتزامن مع إزدهار حضارة ذوي الرؤوس المستديرة في الحقبة الرعوية حيث عاش اسلاف الطوارق و الفولاني ، مازالت رسومات الابقار مرسومة على الصخور و داخل الكهوف التي أصبحت مادة خصبة لدراسة الفن الصخري الذي يعود تاريخه لٱلأف السنين أسلاف أمي عاشوا التجربة التاريخية هناك مع الطوارق ، كانت عشيرتها هي ضمن العشائر الرعوية التي ذكرها المؤرخ اليوناني هيرودت _ أبو التاريخ _ عندما زار مناطق فزان قبل 500 عام قبل الميلاد ، تحدث عن الابقار ذات القرون الطويلة التي لا تشبه اي نوع من بقر في كل انحاء العالم ، عشيرتها من ضمن العشائر التي مازالت تمتلك هذه الابقار حتى يومنا هذا و تتخذ من إحدى أنواعها اسما لها ( نغالنا) ، و هي إحدى العشائر الحاكمة داخل قبيلة الكنغينا Kangena التي تسكن اليوم على الشمالية الغربية لبحيرة تشاد ، بعد هجرتها من مناطق الصحراء الكبرى و فزان جنوب ليبيا .
لم تكن مجرد ام ؛ أنا بعض من كلها ، بحضورها تكتمل وجودي ، هي كل تاريخي على اساسها يتشكل مستقبلي ، أنجبتني فارساً و أرضعتني الكبرياء ، علمتني أن لا أظلم احدا ، و إن لا احتقر إنسانا ، ان أعيش موفور الحرية و لا احني رأسي أمام الطغاة ، و إن لا أرضى بالظلم
منحت دمي تاريخا من البطولات ، زرعت في دمي جينات أسلافها ، انا فخور بأني اشبه الناس بولادها ،هكذا كانت تقول لي دائما.
مرت ثلاثة اعوام على رحيلها ، مازال الحزن يجتاحني عند كل لحظة ، مازلت أحن لوجهها لأستمد منه الشجاعة و الصمود ، مازالت اتوقع أن تصافحني بإبتسامتها عند كل صباح و انا اجلس على طرف سريرها لأتناول الشاي معها .
كم هي قاسية الحياة دون أم ، يظل البيت بدون ام مظلما و إن علقنا القمر على جدرانه . لأن وجه الأم يساوي مئات الاقمار .
لك السلام يا امي انت الأن في مكان أفضل ، لأن الوطن بعدك اصبح جحيما لا يطاق ، الحرب سرقت من بيتك بهجتها ، انا الان أحتاج جسارتك اكثر من اي وقت مضى ، لا جبل الأن يعصمنا من هذه الفواجع سوى ثباتك إنا نعوذ بك من شرور هذه الدنيا ،
كوني بخير في بيتك الفردوسي .
…… ……………………………
7/ اغسطس 2024 م .