
التدريس هو تعليم المتلقين الدروس في مختلف أنواع العلوم الدينية والدنيوية بواسطة المعلم الذي يوصف في العامية السودانية بـ(المدرس). ويكفي المعلمين شرفاً أن مهنتهم هذه هي مهنة الأنبياء، ومعلم البشرية هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وقد ارتبط التدريس بطرق عديدة لتوصيل الدرس للمتعلمين، ففي مجال علوم التشريع طالب الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجادلهم بالتي هي أحسن.
ولحفظ وتعلم القرآن طالبه بأن يرتله ترتيلاً: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) بصوت قوي وجاذب وجميل وبالتجويد؛ ليعطي كل حرف حقه في معنى الكلمة من تفخيم وترقيق.
وفي العلوم الدنيوية، كانت طرق التدريس متباينة لتعليم المناهج الدراسية للنشء، حتى قبل تأسيس كليات التربية في الجامعات السودانية،حيث كان المعلمون يخضعون للتدريب لهذه المهمة بواسطة معاهد أُعدت لذلك الأمر، مثل معهد العرفاء الذي
تأسس في حقبة الاستعمار الإنجليزي في العام 1934، ثم معهد بخت الرضا، ثم كلية التربية في جامعة الخرطوم 1936.
وبعد تأسيس كليات التربية، أصبحت طرق التدريس من ضمن الكورسات الدراسية لطلاب الكلية الذين يتخرجون للعمل كمعلمين. وإلى جانب كورسات التخصصات المختلفة في هذه الكليات (التربية) كان الطلاب يدرسون كورسات في الموسيقى وعلم الأصوات والفنون والدراما والتمثيل. ودراسة هذه الكورسات تساعد المعلم في الإبداع والابتكار والاستفادة منها في طرق التدريس لكثير من المناهج؛ حيث إن الوتيرة الواحدة في التدريس مملة للتلاميذ والطلاب، وكذلك طريقة الشرح بأسلوب الإلقاء والاستماع مملة، وفي كثير من الأحيان يكون الطالب غير حاضر بذهنه وإن كان مستمعاً جيداً!!..
وإلى جانب عدم فعالية طرق التدريس التقليدية،هناك مناهج علمية صعبة الاستيعاب، ويمكن أن نسميها جافة أو غير جاذبة للمتعلم، وهذه إذا كان أداء المعلم فيها تقليدياً وشرحه حرفياً، يكون الطالب في (وادٍ والمعلم في وادٍ آخر).
لذلك شملت كورسات كليات التربية كورسات إضافية غير التخصص كما ذكرت سابقاً، والغرض منها أن يدخلها المعلم ضمنياً في طرق تدريسه ليسهل توصيل المعلومة. فهو فنان في تدريس الجغرافيا، يجسد الخرائط والرسومات بالرسم على السبورة، حتى يخيل للمتعلم أن البحر به ماء، وأنه لمس صخور الجبال الصماء..
وهو ممثل يجيد الدراما والتراجيديا في تدريس التاريخ، ويربط خيال التلميذ والطالب بقصص ومعلومات، ويحمل ذهنه إلى خشبة مسرح تاريخي يوثق تلك المعلومات والحضارات..
وفي حصص الأدب والبلاغة والنثر والمطالعة هو فنان يجيد اللحن للأناشيد، ويجيد الإلقاء الشعري، ويجيد التمثيل البلاغي.. باختصار، المعلم يستطيع أن يطوع كل مواهبه في توصيل الدرس وجذب الطالب ليثبت المعلومة.
ثم كان للتطور التكنولوجي أثر كبير في تغيير طرق التدريس لتصبح أكثر جاذبية، ولتتماشى مع قدرات هذه الأجيال التي أصبحت تمسك الهاتف الجوال بدل الكتاب والكراسة، فنقلت لهم التكنولوجيا طرق التدريس (أونلاين) والدراسة عن بعد، ووفرت لهم المعلوماتية بالضغط على لوحة المفاتيح!!! وأصبح الدارس يسأل و(غوغل)يجيب و(الذكاء الاصطناعي) يبدع في التخيل والتوقع ورسم المستقبل.
إذاً، أجيال توفرت لهم هذه الحداثة في طرق التدريس، إن لم أكن أنا المعلم حريصاً على جذب عقولهم بمهاراتي المختلفة وقدرتي على تغيير أسلوب الشرح مرات ومرات حتى أضمن شدَّ انتباههم والمتابعة، أكون قد استخففت بهذا الجيل وظلمت نفسي بالتقليدية القديمة.
وفي الختام، يجب على كل معلم مواكبة الحداثة في طرق التدريس.. ثم الاهتمام بمظهره؛ لأنه قدوة ومثل أعلى لتلاميذه وطلابه.. وكذلك الارتقاء في أسلوبه وحديثه معهم؛ ليترك فيهم بصمة: (الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).. ثم يجِب عليه أن يغرس فيهم حب الوطن والرغبة في تطوره ورفعته، وأن المجد في كل الأمم يصنعه أبناؤها، ويحببهم في العطاء للوطن؛ فالوطنية عقيدة.
من سلسلة قضايا التعليم#





