
في توقيت بالغ الحساسية سياسياً وأمنياً واجتماعياً، يتنقّل الفريق أول أمن أحمد إبراهيم مفضل، المدير العام لجهاز المخابرات العامة، بين الجبهات ووسط المجتمع في تحركات تحمل رسائل تتجاوز إطار الظهور العادي إلى عمق قراءة اللحظة الوطنية.
ظهور الرجل الأول وسط قواته قبل أكثر من عام ثم ظهوره الثاني قبل أشهر في نهر النيل وأم درمان كانا مؤشرين واضحين على استواء الطبخ واقتراب الحسم العسكري، الي جانب استعادة الجهاز جاهزيته وهيبته وتمسك القيادة الأمنية بزمام التفاصيل. فالفريق مفضل – بحكم طبيعة عمله – لا يظهر كثيراً، وأي ظهور له يكون برسائل محسوبة لا تُقرأ إلا لمن يجب أن تصل إليهم.
أما ظهوره الثالث خلال الأيام الماضية وسط رموز الفن والثقافة والدين ونجوم المجتمع، فقد حمل دلالة مختلفة: ترتيب الداخل قبل لحظة التحوّل القادمة. فاللقاءات الاجتماعية في ظاهرها هي في حقيقتها جزء من هندسة تماسك المجتمع ورفع الروح العامة قبل أي انتقال سياسي أو حسم ميداني، وترسيخ لعودة المخابرات لدورها المدني والاجتماعي إلى جانب دورها الأمني، بما يعيد ربط المجتمع بالدولة باعتباره خط الدفاع الأول.
هذه التحركات المتزامنة بين الجبهات والداخل تشير إلى أن البلاد دخلت مرحلة “الترتيب الأخير”، وأن الدولة تعيد تموضع مؤسساتها السيادية، مع استعادة جهاز المخابرات لصلاحياته الأساسية وعودة هيئة العمليات كقوة متقدمة في الصفوف الأولى. وهي جولات يصفها مراقبون بأنها أشبه بإعادة ترتيب الخرائط قبل إعلان ساعة صفر جديدة.
خلال الفترة الماضية أعاد الجهاز – بقيادة الفريق مفضل – بناء سلسلة القيادة العملياتية، وترميم قدرات الرصد والتحليل، وتفعيل الملفات الإقليمية، ورفع جاهزية هيئة العمليات. ما يجعل المخابرات العامة تعود لتكون أحد أعمدة الدولة بعد سنوات من التهميش. ولكن يبقى السؤال: هل ستُمنح المؤسسة المساحة الكاملة التي تحتاجها لممارسة دورها كما كان، أم أن المرحلة المقبلة ستصنع نموذجًا جديدًا لدور المخابرات في العملية السياسية؟
أخيرًا… سيحفظ التاريخ أن الفريق مفضل قاد جهاز المخابرات في واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وسط حملة استهداف غير مسبوقة لمؤسسات الدولة. فإذا كان بقاء الجهاز نفسه إنجازًا، فإن قدرته على أداء مهامه إعجاز. وقد أعلنها الرجل: ان القائد موجود… والوقت للعمل. فقط يبقى السؤال الأكبر: عودة الجهاز… بداية لأدوار قادمة؟ أم مقدمة لمرحلة تغيير شاملة؟



