راي

قولا لينا_ د/ محمد بشير الامام _ وقفات رمضانية و بلدي تنزف _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

د/ محمد بشير الامام
وقفات رمضانية و بلدي تنزف
كنا في طفولتنا الباكرة في مثل هذه الايام و عندما يقترب قدوم شهر رمضان المعظم نشعر بالتغيير الشامل في امزجة الناس و انشطتهم اليومية نهارا و ليلا واذكر ان الوالدة متعها الله بالصحة و العافية كانت تحرص علي اخذ نوع معين من الذرة ناصعة البياض لتضعه علي سرير او ماشابهه في مكان بعيد عن متناول الاطفال بعد ان تفترش اسفله بجوال من الخيش و تغطيه بكيس من النايلون و تداوم علي ترويته بالماء صباحا و مساء حتي ينبت و يتشابك وتكسوه الخضرة بعدها تتوقف السقاية ويزال الغطاء و يعرض علي حرارة الشمس حتي يكتسب اللون البني و يصير جافا ليسهل طحنه و هذه العملية تسمي( الزريعة) و هي اولي و اهم مراحل صناعة الحلومر الذي لا يحلو الصوم بدونه ويتميز برائحة ذكية فواحة عابرة لحدود البيوت حالما نستنشقها نتيقن باننا علي بعد خظوات من موسم الصيام .
كان الجميع ينتظرون رمضان بحفاوة الضيف العزيز و الزائر الغالي و هو ياتي محملا بالخيرات و البركات و الكرم الفياض الذي ياخذ نصيبا حتي من عبارات التهنئة بقدومه و الناس يرددون رمضان كريم و كل من يحبه كريم , الاباء تجدهم مهمومين باحضار مستلزمات رمضان التي تطلبها النساء و منها التمور و البهارات و الكركدي و معجون الفول السوداني المعروف شعبيا ب (الدكوة) والبصل الاحمر القابل لخواص التحمير و التخزين و غيرها من الماكولات و المشروبات المرتبطة بالشهر المبارك اما الاواني المنزلية و السجادات و المصاحف و المسبحات و غيرها من الادوات التكميلية هذه من اهتمامات النساء التي لا حصر لها.

هكذا كانت هي استعدادات رمضان المعتادة المفعمة بمعاني التحول من حالة الافطار للصوم و التي تاتي دوما مقرونة بترقية ملحوظة في المعاملة و العبادات و الفضائل و حتي الاطفال يشاركون في مراسمها بانشاء سور صغير من الطوب علي هيئة جامع ياخذ الشكل المربع المحفوف بنصف دائرة صغيرة علي اتجاه القبلة تظل مقرا دائما لتادية صلاة المغرب و الافطار الجماعي الذي يمثل ذروة وقت التالف و التراحم و تقوية اواصر المحبة بين الصائمين و هي اسعد لحظات اليوم وتمتد منذ سماع اذان المغرب و حتي رفع الاذان للعشاء و التراويح تتخللها وجبات منوعة و متبادلة بين الحاضرين اضافة للشاي و القهوة و سرد الحكايات و التعليقات و استقبال الضيوف و المارة بدءا من اول ايام رمضان و حتي اخره.

يطل علينا الشهر المعظم هذه المرة و بلادنا تكمل عاما كاملا و هي غارقة في دمائها و تعاني مواجع جراحها المتعمقة و هي تلبس اثواب الحداد و الاحزان التي تتجدد ساعة بعد ساعة جراء مدنها التي تتساقط واحدة تلو الاخري و كذلك قراها الوادعة في ولايتي الجزيرة و سنار و غرب السودان و غيرها من اجزاء بلادي المكلومة المقهورة المستباحة بالكامل علي ايادي عصابات رعاة الحرب القادمين من اقاصي الدنيا مع من عاونهم من مرتزقة البلد و خلاياها المتعفنة الدنيئة الغادرة و جميعهم يتنفسون حقدا و كراهية للمواطن البريء البسيط المغلوب علي امره اتوا للقتل و النهب و ارتكاب الفاحشة و تفريغ سموم سوءاتهم المتراكمة فلذا يلهثون وراء دماء العزل و يتلذذون باراقتها في ابشع صور الانحطاط الاخلاقي و الغطرسة و الصلف , عاثوا في الارض فسادا بلا ادني درجات الانسانية التي تجردوا منها بالكامل .
يأتي رمضان الفضيل هذه المرة و عاصمتنا تحولت الي كومة رماد خالية من ضجيجها المعهود قبيل ثبوت رؤية هلال رمضان عبر التلفاز و الاذاعة و الصحف و غير ابهة باعداد الموائد الرمضانية علي الطرقات العامة و تسابق اهل البر و الاحسان لتوزيع كيس الصائم علي الاسر المتعففة ,و اعتلاء اصوات الائمة و هم يؤدون صلاة التراويح و التهجد و المزيد من الاجواء الرمضانية التي اضحت عصية حاليا في العاصمة و معظم مدن السودان الاخري .

نشهد صوم رمضان هذا الموسم و البؤس يخيم علي اكثر اهلنا بسبب الخسائر البشرية الغالية و الارواح الطاهرة التي ارتقت لبارئها ببنادق الغزاة الجدد الذين تعدوا علي النفس و المال و العرض و سرقوا من صغارنا و كبارنا طمانينتهم و فرحتهم بالحياة و احالوا امننا و استقرارنا رعبا وتهجيرا و عناءا و بحثا عن الكرامة الانسانية المفقودة في اي مكان غير ارضنا المغتصبة المسلوبة بقوة السلاح .

و لكن و مع كل الظروف القاسية و الامتحانات الصعبة التي نعيشها نعقد الامال باعادة ترتيب المشهد المختل جملة و تفصيلا بالمزيد من الامن و العدل و السخاء و الرخاء و الرحمة, انها حكمة الله في الارض وارادته التي اختارها لنا و كلنا ثقة في قدرته علي ازالة الغمة و العناء و الظلم و لو كره الظالمون , و كل عام و انتم بخير و اسال الله لي و لكم قبول الصيام و القيام وصالح الاعمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى