
في منتصف الثمانينات وبعد انتفاضة أبريل 1985 م وطأت قدماي أرض بلاد الرافدين حيث كنت أنوي زيارة دولة الكويت .. لم أتابع رحلتي حيث بقيت لعدة أيام في بلد الرشيد وبالقرب من الرصافة التي قال عنها الشاعر …
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوي من حيث ادري ولا ادري
•• وما مكثت في بغداد طويلا حيث أن بعض الظروف الأسرية إضطرتني للعودة للسودان وفاتتني فرصة زيارة الكويت والتي ما زلت أتوق إليها •
ولكن ايام بغداد مازالت عالقة بذهني رغم تعاقب السنون •
أكثر ما لفت إنتباهي الحضارة الموغلة في التاريخ ، وحداثة في تلك البلاد التي علي رأسها القائد المهيب صدام حسين والذي كان يعجبه جدا التمجيد والاطناب في الشكر ، لذلك رأيت عددا مهولا من المجسمات والجداريات للرئيس صدام حسين ، فما من ركن قصي أو منحني قريب إلا وبه صورة جدارية أو مجسم للمهيب .. وهو الرئيس الذي إستطاع حكم العراق بالقوة المشروعة وغير المشروعة .. و كل ذلك كان قد أغري الرئيس صدام أن يصادم الآخرين فكانت حربه مع إيران التي دامت لأكثر من عقد من الزمان ثم في العام 1990 م كان إجتياحه لجارة بلاده دولة الكويت مما جلب له الغضب العالمي لهوان العرب علي أنفسهم
ومن يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
•• تحركت أمريكا بعنجهيتها وصولجانها وحركت أساطيلها نحو العراق والذي دخلته تحت الغطاء الأممي والصمت العربي الإسلامي الذي أطبق علي الجميع إلا من قلة ذاقت وبال العقوبات الأمريكية والتي لا تزال دول الممانعة ترزح تحت وطأتها •
والمتابع للأمر في تلك الأيام قد رأي بعينيه المجردتين كيف أن القوات الأمريكية والبريطانية التي دخلت بغداد قد عملت علي إزالة تلك المجسمات والجداريات التي تحمل صورة الرئيس الذي اختار لنفسه مخبأ ليختفي فيه من القوات الغازية ولم يلبث في ذلك المخبأ طويلا .
•• وكانت تلك الجداريات والمجسمات شامخة في مدن العراق و لا يستطيع أحد العراقيين أو غيرهم أن يعبر بجوارها أبان عهد الرئيس صدام حسين مجرد عبور ،، لكنهم و بعد سقوط بغداد شاركوا تلك القوات الغازية في هدم تلك المجسمات وتمزيق الصور الجدارية التي تمجد المهيب .. ولقد رأيتم كيف أن تلك المجسمات تم ربطها بالسلاسل ثم سحبها بالدبابات لتهوي علي قارعة الطريق و يهتف العراقيون وبعضهم يظهر فرحته بزوال تلك الحقبة من تاريخ العراق •
•• وبعد ما ينيف عن الثلاثة عقود تطوف كل هذه الذكريات كشريط مرئي أمام ناظري ولعل ما حركها هو أنني رأيت عددا من صور السيد والي الجزيرة تعلو الكثير من لوحات لمؤسسات تم افتتاحها مؤخرا في قري وحواضر المحليات ولعل أكثرها كان بالجهد الشعبي .
و الصورة المرفقة خير دليل علي ما ذهبت إليه بل إنها عينة لتلك الصور الكثيرة علي قارعة الطريق العام •
كنت قد خاطبت السيد الوالي في أول أيام إستهلاله لوظيفته الدستورية واليا لولاية الجزيرة وذلك عبر صحيفة الجزيرة لسان حال الولاية والتي كان يرأس تحريرها آنذاك الأخ الصحفي المجيد الاستاذ احمد ابراهيم الإمام وكنت قد نبهت الوالي لمثل هذه الترهات التي يمارسها أناس بغرض التزلف والتقرب من الحاكم وهؤلاء هم سبب البلايا والخطوب التي ثصيب مجتمعاتنا بعامة •
نأمل السيد الوالي تدارك الأمر متمثلا القول الشعبي ** لا انكسرت القزازة لا اندفق الفيها ** وذلك بأن تصدر اوامرك فورا بإزالة تلك اللوحات من الطريق العام والتأكيد علي عدم ممارسة ذلك السلوك المشين لاحقا و الذي يمجد الملوك والحكام الطغاة .. وإن لم تفعل فإننا قطعا سنركن للمثل العربي **لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ** •• السيد الوالي
لقد وقع عليك الإختيار واليا علي ولاية الجزيرة خادما لشعبها وان ما تقوم به من عمل وتصريف لمهام الوظيفة هو في إطار العرف الدستوري والقانوني الذي أوكلته لك القيادة السياسية في المركز •
أعود وأجزم أن مثل تلك اللوحات علي الطريق العام هي بالضبط ما اصطلح عليه بالدارجة (كسير تلج)
اترك أعمالك تتحدث عنك واردع كل من تسول له نفسه التزلف إليكم بمثل هذه الأعمال والتي ليست بأقل من أن تخدش في حيادك وتجردك ونكران الذات وان وجودها كمثل وجود مجسمات وجداريات صدام حسين فإن قبولك بوجودها يمثل رضاءك التام عنها وقد ينعتك قادحوك بأن بك سفيانية لم تنفك عنها ..
وبما أنك بين مادح وقادح لك أن تعلم أن هذه الصور التي تعلو تلك اللوحات لا يعدو عمرها وجودك بالولاية كما وجود مجسمات وجداريات صدام حسين .
لذلك لزم أن تصدر قرارك اليوم قبل الغد بإزالة تلك اللوحات واجعل إنجازات تتحدث عنك ان رضي بهذا منافحوك ●
والله من وراء القصد وهو الهادي لسواء السبيل ●
سعادة الفريق البرهان امنع التمثال و امنع الجداريات
نعم شعبك يحبك حد المبالغة و يقف خلفك قلبا و قالبا و يشد من أزرك و دفع لك بفلذات اكباده و يقيمون الفرح بإستشهاد أبنائهم كمن يقيم حفل زفافهم
وإن الذين يصنعون مثل هذه التماثيل و الجداريات ما هم إلا اناس يتملقون الراعي ولقد اسهبت في مقالتي لدكتور ايلا و كان و قتها واليا علي الجزيرة يهابه الناس
عبدالسلام العقاب





