نازحين
شاهيناز القرشي
اول مرة سمعت كلمة نازحين كانت تصف اولئك النسوة اللائي ظهرن في شوارع امدرمان يمتهن غسيل الملابس والمساعدة في المنازل ،نسوة يظهرن صباحاً ويختفين مع اول وقت العصر ،سيكون من الغريب ان تجد احداهن تتجول بعد مغيب الشمس او حتى قبله بقليل
اغلبيتهن قصيرات القامة وكلهن نحيفات لهن صدور عجفاء ارهقها العمل حتى اذا جلست احداهن وانكبت على طشت الملابس لن يظهر من اعلى فستانها المنحسر مايثبت انها انثى سترى الظلام فقط، وكأن حفرة من الهم قد غارت فى صدورهن لتصنع شكلاً غير المتوقع .
فاطمه ذات اليدين التي تعاني الجفاف بشكلٍ غريب وعند مصافحتها تظن انك صافحت قالباً من الطوب
جلست تدندن منكبة على الطشت انحسر فستانها بانت منه كل حفرة الغم .
*جابننا السنين يابلومي سمونا النازحين*
*يابلومي*
*القاعد في بيته يابلومي*
*وقالو علي غشيتو*
*يابلومي*
*اريتني لو غشيتو يابلومي*
*والفي مرادي تميتو يابلومي*
*جابننا السنين يابلومي سمونا النازحين يابلومي*
*القاعد في البمبر يابلومي*
*مسواكه دا الصندل يابلومي*
*لمن كشم دنقر الفسحه لي لندن يابلومي*
*جابننا السنين يابلومي وسمونا النازحين يابلومي*
*****
*طلع العالي جلا*
طلع العالي هي النازحة حواء تمتهن نفس المهنة تأتي في الصباح وتختفي عصراً ،كانت تخبرنا عن زوجها الذي سافر الى ليبيا وعاد محملاً ببعض المال ،لم يراعي انه تركها دون عائل لاطفالها الا طشت الغسيل ،وعند عودته قرر الزواج بتحريض من اخواته كانت تحكي حكايتها بلا توقف وتغني اغنية من تأليفها بلا توقف
*الطلع العالي جلا الليله ياناس*
*ومرق الكرسي بره الليله ياناس*
*وزولاً مابستاهلا الليله ياناس*
وعندما نمل من حكايتها المعادة ونتفرق من حولها ، تحكيها للملابس والطشت ( اخواتو قاللو مرقت ،وقاللو حامت ،وقاللو ،وقاللو،، وانا قتلو كوضب قتلو كوضب قتلو كوضب) اسمينها طلع العالي حتى نسينا اسمها الاصلي وانا استعنت بصديقتي ريان لاتذكر اسمها 😄شكراً ريان😄.
النازحة الشيك عندما اثار اسمها استغرابنا وسألنا عن المعنى قالت باسمة (يعني شيك على البنكي)
عمر العربي صبي كان يتجول وسط الصبية هو واخته واخوه يلعب معهم البلي ببراعة كان يذهب للمدرسة حاملاً مخلاة كشنطة التزم بالمدرسة لفترة قصيرة من الزمن، بعدها ترك المدرسة واصبح يغسل السيارات او يعمل في بعض المنازل مع الجيران ،لا اعلم اين كان يسكن عمر وأسرته بشكل دقيق كان يأتي من خلف البيوت كان فيه شئ من شراسة وشفتنه وتشعر ان له شخصية قوية قياديه برغم صغر سنه وضعف حالتهم الماديه.
النازحة (جمعية) و بناتها كن يسكن في منزل غير مكتمل يمتهن بيع الشاي لديهم اخ عرفناه ب(هاشم المجنون )كان يتحدث ويضحك لوحده في دنيا لايعلمها الا هو،كان هنالك أيام يتم فيها ربط هاشم بالجنازير لانه ضرب احدهم في واحدة من فورات غضبه النادره ،ويغيب هاشم احياناً لفترات طويله تظل امه واهله يبحثون عنه وكل ماجاءهم خبر عن مكان تمت فيه مشاهدة هاشم هرعوا اليه علهم يجدونه ،ابنتهم عفاف الصغيرة السمراء ذات شعر ناعم حرصوا على دخولها ألمدرسة تذهب صباحاً نظيفة مرتبة الملابس بشكلٍ جميل .
النازحة (طيبة) جميلة باسمة طيبة كأسمها تجلس معنا للمسامرة والحديث فهي تمر بمنزلنا كصديقة او ضيفه ،تحكي عن رحلتهم العصيبة من بلدهم الى اطراف امدرمان لهجتها التي تمد اطراف الكلام تزيد الحديث حلاوة.
مانراه اليوم من نزوح بسبب الحرب وجد في مجتمعات سودانية طرفية نزحت بسبب (المَحَل) على حد تعبير النازحات ،وهو الجفاف الذي ضرب مناطقهم واجبرهم على النزوح لاطراف العاصمة ،فصنع مجتمعات احاطت بالعاصمة القومية على شكل عشوائيات وانتجت بؤرة قادرة على رفدك بكل شيء ،عمال ،تلاميذ ،لصوص ،جنود ،عصابات ، كل شيء تجده هناك ،وهو نتيجة لاهمال الحكومات لهذه الظاهرة ،سكان يفتقرون للخدمات في مناطقهم الاصلية حيث لا مدارس ولا مستشفيات ولا وجود للحكومة، فقدوا حتى القليل الذي يمتلكونه في سنة جف فيها الضرع ومات الزرع وغارت حفرة الغم في صدور النساء ،وبعضهم اتت به الحروب في وقت لاحق ،
نحن اليوم في العاصمة نعيش نفس الظروف نزوح قبله او بعده فقدنا كل شيء ،لو كانت الحكومة عالجت مشكلة طيبة وحواء وهاشم وعمر لكان الوضع اليوم يختلف كثيراً ،لو كانت الحكومة اهتمت بالنازحين الأوائل لكانت اهتمت بنازحي اليوم .
هذا وطن واحد وهاهي المساواة تاتي في الظلم والنزوح والاهمال .
ويجب ان ينتهي الظلم والاهمال لكل الوطن.