راي

*شاهيناز القرشي* تكتب ..*انقلاب في البورت* ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

*شاهيناز القرشي*

عندما تطفح الأسرار الحكومية إلى الخارج لاسيما تلك التي تشكك في التناغم الداخلي بين مكوناتها، فهذا يعني أنّ المشكلة أصبحت خارج السيطرة وفشلت الوسائل العادية في احتوائها، وعندما يكون هذا التسريب لصحفيين موالين للنظام مثل رشان أوشي وعبدالماجد عبدالحميد فهذا يعني أنّ الشقة بين مكونات الحكومة قد تباعدت بشكل كبير، ولا فرار من حدث كبير نتيجة لهذه الصراعات.

تصريحات ياسر العطا الخطيرة الأخيرة التي تتحدث عن وجود جنجويد وقحاتة داخل مجلس السيادة وعدد من الوزارات المهمة، وهم يتمتعون بالحماية من قبل شخصيات نافذة، هذا التصريح الذي يصدر من الرجل الثالث في الجيش وأحد أعضاء السيادي والذي يظهره بمظهر العاجز عن تغيير أوضاع خاطئة يقول أن من يحمي الجنجويد والقحاتة المزعومين هم شخصيات أكثر نفوذاً من ياسر العطا،

وهنا تنحصر الاحتمالات في شخصين وهما الكباشي والبرهان، وبما أن وجود الجنجويد والقحاتة في مفاصل الدولة أمر مستحيل في الوقت الحالي، خصوصاً بعد سيطرة الإسلاميين على مفاصل الدولة فهذا يعني أنّ الرجل يرى في هذه المواقع أشخاص لا يتفقون مع رؤيته أو رؤية التيار الذي يمثله، وفي اعتقادي أنّ الاستهداف الإعلامي ليس تجاه تقدم وحدها ولكنّه أيضاً ضد بعضهم البعض، وللأسف هذا الصراع هو الذي خلخل ثقة الشعب السوداني في قيادات الجيش وفي مقدرتهم على إدارة الحرب،

فعندما يضخّم بعض من الناشطين المنتمين للجيش تحركات صغيرة محدودة وتكون نتيجتها صغيرة أو بلا نتيجة ملموسة والجيش تحرك فيها وهو يعلم ضعف نتيجتها وهدفه منها لا يتعدى نتيجتها المتوقعة ولكن هنالك من يرفع سقف توقعات الشعب عن قصد، وبعدها يحصل الإحباط وتحميل قيادات هذه المحاور ضعف النتيجة، وكذلك التسريبات ضد الحركات التي تميل لتيار معين داخل الجيش وهي أقرب للإسلاميين الباحثين عن السيطرة على الاستنفار،

بالنسبة لي هذا عمل مقصود ومنظّم ويندرج تحت الصراع الداخلي بين تيارات الجيش، وبين فرقاء الجيش الذين يقودون محاور القتال، فكباشي الذي وقع اتفاق المنامة دون علم العطا _على الأقل_ أجبر العطا على الميل نحو التيار الإسلامي الرافض لوقف الحرب وأصبح أقرب للمستنفرين خوفاً من أن يجد نفسه خارج اللعبة وتم استبعاده،

وللاستنفار أيضاً تجلياته في هذا الصراع حيث يوقف الكباشي والبرهان التسليح والاستنفار العشوائي، وأن كان لابد منه فليكن تحت راية الجيش، بينما تريد الحركة الإسلامية أن يترك أمر الاستنفار لها ويجير لصالحها تحت راية البراؤون ليكون مطيتها للعودة والسيطرة، وهنالك افتراض منطقي ماذا لو كان الفشل الاستخباراتي أيضاً يندرج تحت هذا الصراع وهو مقصود وهذا افتراض مخيف جداً.

أخطر مظاهر هذا الصراع في الوقت الحالي يتجلى في صنع ميليشيات جديدة قبلية في الشرق حيث جمعوا شباب من ثلاث قبائل في شرق السودان تم تدريبيهم في إرتريا بشكل منفصل وباسم قبائلهم وليس باسم الاستنفار مع الجيش كما يحدث في الشمال والوسط وتكمن خطورة هذه الميليشيات الجديدة في تباين مواقفها تجاه الحكومة وفي صراعتها الداخلية على عدد من القضايا منها قضية مسار الشرق والجنسية، كما أن وجود هذه الميليشيات مع الحركات قد يخلق صراعات تفجر الشرق فالحركات تشعر أن هنالك من يحاول سحب البساط من تحتها وخلق قوة موازية قادرة على مواجهتها في حال قررت التمرد على قرارات البورت أو حاولت أن تفرض أوضاع معينة بناءً على قوتها.

هذا التعقيد الجديد الذي يضاف للساحة يقول إن هنالك وضع جديد قادم في بورتسودان وأن استمرار الوضع الحالي بنفس الشكل أصبح مستحيل فما المتوقع شرقاً ؟.

إذا حدث انقلاب صريح أو انقلاب غير صريح فلن يمر مرور الكرام وبما أنّ البرهان هو طرف أصيل في الانقلاب القادم باعتباره إما أن ينفذ الانقلاب أو ينفذ عليه إذن هو من سيقوم بتحركات في كل الحالات تحركات البرهان لن تكون عنيفة ولكنها ستكون ثعبانية تشبه طريقته في كل شيء كما أنه لا يحتاج لتحركات واسعة، يمكنه أن يقطع أوصال المؤامرة ويجعلها بلا فاعلية بضربها في مفاصل معينة، إما بقطع التمويل أو التسليح أو حتى العزل الوظيفي ووضع العراقيل أمامهم وإدخال لاعبين جدد،

أما الطرف الذي يريد العمل ضد البرهان في هذه الظروف هو المطالب بعمل ضخم ليستطيع السيطرة على الآثار المترتبة على هذا التغيير، فالبرهان الرجل الذي جمع السلطات في يده يعتبر آخر وجه عسكري مقبول لعدد من الجهات الفاعلة في الشأن السوداني وعلى رأسها مصر وعلى الرغم من ذلك لازالت الكثير من دول ومؤسسات العالم تتعامل مع البرهان كانقلابي وتجمد عضوية السودان وتمنع المساعدات عن الحكومة، ولكنه يتمتع بشرعية الوثيقة الدستورية ولديه تفاهمات عقبت لانقلاب مع بعض الجهات التي كانت تسعى لإعادة المسار الديمقراطي، والانقلاب عليه يعني بروز وجوه إما مرفوضة لانتمائها للجبهة الإسلامية أو وجوه مجهولة سيحدد العالم موقفه منها مع أول تصريح وتصرف ولتنال القبول يجب عليها أن تتناغم بسرعة مع الجهات الضالعة في إيقاف الحرب وهذه خطوة ضد مصالحهم واهدافهم لذلك خطوة التخلص من البرهان من الممكن أن تتحول لانهيار درامتيكي في العلاقات والمواقف الخارجية، ولا استبعد أن تتدخل دولة جارة بشكل عنيف ومباشر في حالة الانقلاب على البرهان الذي جعل التحالف السوداني معها شخصي ويرتبط بوجوده.

بالنسبة لي صناعة الميليشيات في الشرق، والتسريبات الصحفية، وحديث ياسر العطا هو تهيئة للأرض لتغيير تعد له الجهتان وليس بالضرورة أن يكون هذا التغير ذو تأثير خطير على مجريات الحرب ولكنه بلا شك ذو تأثير كبير على أجنحة الحركة الإسلامية وعلى تماسك الجيش في هذه الظروف الصعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى