شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة- مصر Ghariba2013@gmail.com ــ اللاعنف… سلاح الاقوياء: دعوة لثقافة السلام في السودان ــ بعانخي برس
بعانخي برس

“اللاعنف سلاح الأقوياء.” هذه المقولة العميقة للمهاتما غاندي، الذي يصادف يوم ميلاده في 2 أكتوبر من كل عام اليوم الدولي للاعنف، تحمل في طياتها رسالة بالغة الأهمية، لا سيما بالنسبة لوطننا الحبيب السودان الذي أنهكته الصراعات والحروب. اللاعنف ليس مجرد سلبية أو استسلام، بل هو قوة إيجابية هائلة، استراتيجية صلبة تعتمد على رفض الظلم والقمع دون اللجوء إلى القوة البدنية أو التدمير.
اليوم، ونحن نحتفل بهذا اليوم العالمي، يجب أن يكون السودان في صميم تفكيرنا. لقد مرت البلاد بمراحل عنف متكررة ومؤلمة، جعلت من الدعوة إلى ثقافة السلام ضرورة وطنية قصوى للمرحلة القادمة. السلام في السودان ليس مجرد توقيع اتفاقيات على ورق، بل هو بناء نسيج اجتماعي جديد متسامح ومتعايش.
لا يمكن لثقافة السلام أن تتجذر إلا عبر مقاربة شاملة تبدأ من الفرد وتصل إلى المؤسسات. إنها عملية استثمار طويل الأمد في العقل والوجدان السوداني.
يجب أن يكون التعليم والتربية من خلال المناهج التعليمية في كل مراحلها، من رياض الأطفال حتى الجامعة، غنية بقيم التسامح واللاعنف، الاحترام المتبادل، قبول الآخر، التنوع الثقافي، والتعايش السلمي. يجب ألا نكتفي بذكر هذه القيم، بل يجب ترسيخها من خلال الأنشطة المشتركة التي تجمع الطلاب من مختلف الخلفيات، لكسر حواجز التوتر العرقي والثقافي قبل أن تتكون.
للإعلام مسؤولية أخلاقية ووطنية كبرى. على وسائل الإعلام، بما فيها منصات التواصل الاجتماعي التي لها تأثير كبير، أن تتحول إلى منابر لنشر خطاب التفاهم ونبذ الكراهية والتطرف. يجب تسليط الضوء على قصص النجاح في التعايش المجتمعي، و إفساح المجال للحوار الهادئ والبناء بين مختلف المكونات، بدلاً من بث خطابات الشحن والتحريض.
لا سلام دون عدالة. يجب العمل على تحقيق العدالة الانتقالية بمفهومها الشامل، والذي يتضمن المحاسبة على الجرائم المرتكبة، جبر الضرر للمتضررين، وإصلاح المؤسسات لضمان عدم تكرار العنف. كما أن دعم برامج الاستشفاء والتعافي النفسي والاجتماعي للمتضررين من النزاعات أمر حيوي لإغلاق جروح الماضي.
تفعيل دور القيادات التقليدية والمجتمعية، ففي مجتمع مثل السودان، تظل للقيادات الأهلية والإدارات الأهلية دور كبير في فض النزاعات وبناء السلام المحلي. يجب تمكين هذه القيادات ودعمها بالتدريب والمعرفة الحديثة في إدارة الصراع بطرق لا عنفية، وتسهيل عملها كجسر للثقة بين الأفراد والدولة.
المشاركة السياسية الشاملة، فالسلام المستدام يتطلب نظامًا سياسيًا يعترف بحقوق ومطالب الجميع. الدعوة لثقافة السلام في المرحلة القادمة تتطلب إقامة نظام ديمقراطي شامل وعادل يضمن المشاركة السياسية والتمثيل العادل لكل أقاليم ومكونات السودان في السلطة والثروة. فغياب العدالة السياسية والاقتصادية هو في الأساس مكمن العنف.
في نهاية المطاف، يجب أن نعي أن اللاعنف سلاح الأقوياء لأن من يمارسه يتحلى بالشجاعة الكافية لرفض طريق الانتقام، وبالإرادة الصلبة لتحمل الصعاب دون التخلي عن مبادئه الإنسانية.
إن الطريق إلى سلام دائم في السودان شاق وطويل، لكنه يبدأ بخطوة: أن نختار جميعاً، أفراداً ومؤسسات، أن نعتبر اللاعنف ليس مجرد خيار، بل هو أساس وجودنا في وطن نريد له أن ينهض مجدداً. فلتكن المرحلة القادمة هي مرحلة بناء جسور الثقة والمحبة، لا حفر خنادق الكراهية والعنف.