راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com ــ الصحافة في عالم جديد: بين مطرقة الذكاء الاصطناعي وسندان الواقع السوداني المرير ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نستحضر الدور المحوري الذي تلعبه الكلمة الحرة في بناء المجتمعات الديمقراطية وتعزيز التنمية المستدامة. إنه يوم للتأمل في التحديات والفرص التي تواجه مهنة الصحافة في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، عالم يشهد تحولات جذرية بفعل التكنولوجيا، وفي القلب منها يقف الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة للتغيير.
إن تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية الصحافة والإعلام بات واقعًا ملموسًا. فبينما يحمل في طياته إمكانات هائلة في تسريع وتيرة العمل الصحفي، وتحليل البيانات الضخمة للكشف عن الحقائق، وتقديم محتوى إخباري مخصص للقراء، فإنه يثير في الوقت ذاته مخاوف جدية بشأن مستقبل هذه المهنة وأخلاقياتها. خطر انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتراجع دور الصحفيين في التحقق من الحقائق، وإمكانية استخدامه في الرقابة وتضييق الخناق على الأصوات الحرة، كلها تحديات تستدعي منا وقفة جادة وتفكيرًا عميقًا في كيفية التعامل مع هذه التقنية لخدمة الحقيقة لا لتشويهها.
وفي خضم هذه التحولات العالمية، يبرز الوضع المأساوي للصحافة السودانية كنموذج صارخ للتحديات التي تواجه حرية الصحافة في مناطق الصراعات والاضطرابات. لقد أدت الحرب الدائرة في السودان إلى وضع يرثى له للصحافة والإعلام، حيث تعرض الصحفيون للقتل والاعتقال والتهديد، وتوقفت العديد من المؤسسات الإعلامية عن العمل، وتحول الوصول إلى المعلومات إلى كابوس حقيقي. إن التعتيم الإعلامي يخدم أجندة العنف ويحول دون محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مما يجعل من الضروري مضاعفة الجهود لحماية الصحفيين وضمان تدفق المعلومات بحرية.
إن الارتقاء بالصحافة السودانية لمراحل ما بعد الحرب يتطلب رؤية واضحة وجهودًا متضافرة. ففي هذه المرحلة الحرجة، يصبح توحيد صفوف الصحفيين السودانيين تحت مظلة تنظيمية واحدة أمرًا بالغ الأهمية. إن تأسيس “هيئة تنظيم الصحافة السودانية” من شأنه أن يوفر إطارًا قويًا للدفاع عن حقوق الصحفيين، وتنظيم المهنة، ووضع معايير أخلاقية واضحة، والمساهمة في بناء صحافة مهنية ومستقلة قادرة على لعب دورها الوطني في مرحلة التعافي وإعادة البناء.
وفي هذا السياق، نرحب بتأسيس إدارة جديدة للإعلام الإلكتروني تتبع لوزارة الثقافة والإعلام. إن هذه الخطوة تعكس إدراكًا لأهمية الفضاء الرقمي وتأثيره المتزايد على الرأي العام. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الإدارة يعتمد على مدى استقلاليتها وقدرتها على دعم الإعلام الرقمي الحر والمسؤول، وتوفير البيئة المناسبة لازدهاره، بعيدًا عن أي محاولات للسيطرة أو التوجيه.
إن النهوض بالصحافة السودانية يتطلب أيضًا استثمارًا حقيقيًا في تدريب وتأهيل الصحفيين. ففي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتحديات المعقدة التي تواجه البلاد، يصبح تزويد الصحفيين بالمهارات والمعارف اللازمة لتغطية الأحداث بدقة وموضوعية، وفهم التحديات القانونية والأخلاقية، والتعامل مع التقنيات الحديثة، أمرًا ضروريًا لبناء صحافة قوية وموثوقة.
وأخيرًا، فإن إطلاق المزيد من الحريات للصحفيين السودانيين يمثل حجر الزاوية في أي عملية إصلاح حقيقية للقطاع الإعلامي. يجب ضمان حرية الرأي والتعبير، وحماية حق الصحفيين في الوصول إلى المعلومات ونشرها دون خوف من الترهيب أو العقاب. إن بناء بيئة إعلامية حرة وتعددية هو الضمانة الحقيقية لمستقبل أفضل للسودان.
في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، نؤكد على أن دعم الصحافة الحرة والمستقلة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لبناء مجتمعات قوية وديمقراطية وقادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية والازدهار. إن مستقبل الصحافة في عالم جديد يتطلب منا جميعًا – صحفيين، ومؤسسات إعلامية، وحكومات، ومجتمع مدني – العمل معًا لحماية حرية الكلمة وتعزيز دورها الحيوي في بناء عالم أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى