شئ للوطن ــ صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ من دوامة الصراع إلى آفاق الأمل ــ بعانخي برس
بعانخي برس

ظل السودان منذ استقلاله في دوامة من الصراعات السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واندلاع حرب أهلية مدمرة. هذه الحرب لم تكن مجرد صراع مسلح، بل كانت نتيجة تراكمات تاريخية من الفشل السياسي والعجز عن بناء دولة وطنية مستقرة.
الأحزاب السياسية السودانية، التي تشكلت في ظل صراعات الاستقلال، لعبت دورًا محوريًا في هذه المآلات المخيبة للآمال. فقد عانت هذه الأحزاب من ضعف في بنيتها التنظيمية وبرامجها، وغلب عليها الخطاب السياسي الدعائي على الخطاب التنموي الاقتصادي. ومن أخطر ما قامت به أنها أعلت من سقف الخطاب السياسي الدعائي عوضًا عن الخطاب التنموي الاقتصادي، لأنها تقدم نفسها من منطلقات أيديولوجية بحتة يميناً ويساراً أكثر من أن تقدم برامج متعلقة بحياة الناس ومعيشتهم ورفاههم، وهذا يقود إلى ضرورة أن تعيد هذه الأحزاب صياغة نُظمها بعد الحرب بما يجعلها أحزاباً برامجية تقدم ما ينفع الناس لا ما تدفعها إليها منطلقاتها الفكرية التي لم يعد أغلب الناس على اهتمام بها.
فترات الحكم العسكري، على الرغم من سلبياتها، كانت الأطول استمرارًا والأكثر انضباطًا، بينما اتسمت فترات حكم الأحزاب بالفوضى والضعف. وقد تمكنت الجبهة الإسلامية من التغلغل في المجتمع والوصول إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، لتصنف الأطول مكوثاً في حكم السودان الحديث، والأبقى أثراً عبر ما افترعت من مشروعات كبرى لا تخطئها عين، رغم أنه كان بمقدورها أن تنجز أكثر مما فعلت وأن تقود بنفسها عملية ترقية الممارسة السياسية لتؤسس استقرار السودان وفقاً لمفهوم التداول الانتخابي السلمي للسلطة .
حراك ديسمبر 2018، الذي أطاح بنظام البشير، كان تعبيرًا صادقًا عن رغبة الشعب السوداني في التغيير والأفضل. غير أن التدخلات الدولية والمطامع الإقليمية أجهضت تلك الأحلام في مهدها، حين رفعت مجموعات سياسية صغيرة لهرم السلطة وملكتهم أمر السودان في تزاوجٍ قسري بينهم وبين المجموعة العسكرية عبر ما عرف بالوثيقة الدستورية التي أسست لفترة انتقالية تقاسمت السلطة فيها تلك المجموعة الصغيرة مع المكون العسكري.
حكومة حمدوك، التي تشكلت بعد حراك ديسمبر، فشلت في تحقيق تطلعات الشعب السوداني. فقد انطلقت هذه المجموعة من رغبة جامحة في التشفي والانتقام قادتها لتكوين لجنة إزالة التمكين التي ضربت بالقانون عرض الحائط، وأصبحت هي القاضي والجلاد، فتعدّت على أملاك الناس وصادرتها وأخذتهم بشبهات لا ترقى لتمثل بينات إدانة، وما كان بمقدور أحد ان يستأنف أو يراجع شيئاً من قراراتها الجائرة.
الاتفاق الإطاري، الذي تم توقيعه في ديسمبر 2022، كان محاولة لإعادة التقارب بين العسكريين والمدنيين، غير أنه فشل في تحقيق ذلك، وعجل باندلاع الحرب الحالية. فقد نصت المبادئ العامة في الفقرة (14) من الاتفاق على (أن تؤول السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات المسلحة)، وهو ما أُعتبر محاولة من تحالف الحرية والتغيير للهيمنة على السلطة في السودان مع إقصاء بقية القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة بجانب حرمان حركات دارفور التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام من أن تشارك هي الأخرى، ليفقد الاتفاق الإطاري روح الشمول والتوافق الوطني ويظهر على حقيقته مجرد اتفاق إقصائي.
الحرب الحالية، التي شنتها قوات الدعم السريع، خلفت آثارًا كارثية على السودان وشعبه. فقد شردت الملايين ودمرت البنية التحتية، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
على الرغم من ذلك، فإن هذه الحرب يمكن أن تمثل علامة فارقة في تاريخ السودان، ونقطة تحول نحو الأفضل. فالسودان بعد الحرب لن يكون كما كان قبلها، لقد شعر السودانيون في مهاجرهم وملاجئهم حيث نزحوا، بقيمة الوطن في حياتهم حين افتقدوا أبسط الحقوق وتخطتهم المخاطر، فهذه الحرب ضاعفت من روح الإحساس بأهمية الوطن، وقوت من روابط اللحمة الوطنية بينهم وفتحت في مجالسهم النقاش حول الأسئلة الكبيرة عن كيف ينهضون وبأي السبل يبنون بلدهم.
لبناء سودان جديد، يجب على الأحزاب السياسية أن تصلح أوضاعها الداخلية وتتحول إلى أحزاب برامجية، وتهتم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يجب على الدولة أن تعمل على تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، وتطبيق القانون، ومكافحة الفساد.
السودان بحاجة إلى حكومة قوية وفعالة، تعمل على تحقيق تطلعات الشعب السوداني، وتستفيد من تجارب الدول الناجحة، مثل رواندا وسنغافورة وجنوب إفريقيا.
إن السودان يمتلك الإمكانيات والموارد التي تؤهله للنهوض والتطور. وبإرادة الشعب السوداني، يمكن تحقيق ذلك.