راي

د/ رجاء عبدالله الزبير تكتب ..رؤية قانونية لبعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة للسودان _ بعانخي برس

بعانخي برس

رؤية قانونية لبعثة تقصي الحقائق الدولية الم

 

 

خلف النزاع المسلح الدائر في السودان منذ أبريل 2023، معاناة غير مسبوقة للمدنيين وإنتهاكات جسيمة وواسعة النطاق ،ويتزايد القلق بانتقال وتمدد النمط المتكرر من العمليات العسكرية والهجمات العشوائية في ولايات السودان المختلفة من قبل قوات الدعم السريع التي تمردت على القوات المسلحة السودانية ،مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان داخل السودان ،التماساً للأمن ،ثم هروبهم ثانية عندما تعرض أمنهم للتهديد الامر الذي ينذر بإنهيار للوطن.
ومن أجل مواجهة حالات وقوع الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني على السكان المدنيين ، أُنشئت بعثات دولية لتقصي الحقائق في سياق الامم المتحدة ذات طابع غير قضائي ،تصدر بموجب قرارات من مجلس الامن،أوالجمعية العامة،أومجلس حقوق الانسان،وفقاً للمادة (90) من البروتوكول الاول الإضافي لإتفاقيات جنيف المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية،تختص تلك البعثات بالتحقيق في الوقائع المتعلقة بأي إدعاء خاص بإنتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني ،بحثاً عن الحقيقة ،وأشترطت المادة موافقة أطراف النزاع المعني عن طريق إصدارهم إعلان عند التوقيع أو التصديق على البروتوكول الاول أو الإنضمام إليه أو في أي وقت لاحق،وبموجب هذا الاعلان تخول الدولة اللجنة إجراء تحقيق في أي نزاع قد ينشأ بينها وبين دولة أُخرى أصدرت الإعلان ذاته،ولا يتطلب أية موافقة إضافية ، لكن لا يوجد ما يمنع دولة ثالثة أن تطلب من اللجنة إجراء تحقيق عند حدوث إنتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني،إرتكبها أحد أطراف النزاع،شريطة أن يكون الطرف المعني قد إعترف أيضاً بإختصاصات اللجنة ،وفقاً لمبدأ إحترام وكفالة إحترام القانون الدولي الإنساني .
ويجوز لبعثات تقصي الحقائق التحقيق في الإنتهاكات المزعومة بحق القانون الدولي الإنساني في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية ،وفقاً لاحكام المادة الاولى المشتركة من إتفاقيات جنيف التي تفرض إتخاذ خطوات تكفل أحترام قواعد القانون الدولي الإنساني ، وفي هذا السياق تعامل مجلس حقوق الانسان أثناء النزاعات المسلحة مع حالات إنتهاكات القانون الدولي الإنساني ،في عدة مناسبات وأصدر لجان لتقصي الحقائق لكفالة توثيق الادلة حول إنتهاكات القانون الدولي الانساني للدول المنخرطة في نزاعات مسلحة غير دولية وإتخذ العديد من القرارات في هذا الشأن .

وللسودان تجارب سابقة في هذا المجال فقد تم إنشاء بعثة لتقصي الحقائق في دارفور تحت ولاية المفوض السامي لحقوق الإنسان، لتقييم حالة حقوق الإنسان في دافور 4.E/CN,3/2005، وبعثة رفيعة المستوى عن حالة حقوق الإنسان في دارفور ،عملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان ،”A\HRC\4\80″9 مارس 2007
كما تم إنشاء لجنة تحقيق دولية تابعة للامم المتحدة بشان إنتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان في دارفور ،عملاً بقرار مجلس الامن 1564/2004،أوصت اللجنة بإحالة الوضع في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية ، مبررة ذلك بأن الجرائم الموثقة في دارفور إرتكبت على نطاق واسع وبشكل ممنهج وتتوفر فيها جميع الشروط الدنيا الواردة في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية

وهذه البعثات مطالبة بضمان توافق أساليب عملها مع مبادئ ومعايير ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وتختص البعثة بتقصي الحقائق وليس بإتخاذ قرار بشأن مسألة قانونية أو إصدار أحكام قضائية،ولكن حتى ولو إقتصر عملها على تقصي الحقائق،فإن التصريح بتلك الحقائق غالباً ما يؤدى إلى تصنيفها من الناحية القانونية، وتحديد المسؤوليات،وعلى سبيل المثال فإن التقرير الخاص بلجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم الى الامين العام (S/2005/60) ركز على العدالة وجبر الضرر كعناصر للمساءلة عن الجرائم المرتكبة في دارفور ،بإبلاغ سلطتي الإدعاء العام والقضاء المختصتين عن الاشخاص الذين يستحقون إجراء تحقيق مستفيض بشأنهم ، ويطلب إلى البعثة عرض تقرير بالنتائج التي توصلت إليها بعد تقصي الحقائق إلى الاطراف المعنية مشفوعاً بالتوصيات التي تراها مناسبة؛

ويمكن أن يتخطى عمل اللجنة مجرد تقصي الحقائق والقيام بالمساعي الحميدة من أجل العمل على إعادة إحترام إتفاقيات جنيف ولابد أن يكون عمل اللجنة محاط بالسرية ولا يجوز أن تنشر علناً النتائج التي توصلت إليها،إلا إذا طلب منها ذلك جميع أطراف النزاع وتمارس اللجان سلطتها التقديرية بتحديد الإطار القانوني الواجب التطبيق في الحالات التي تحقق فيها.
بإستقراء القرار(A/HRC/RES/54/) الصادر من مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 12 أكتوبر 2023، والخاص بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان ، والذي حدد فيه الفترة الزمنية لعمل البعثة بسنة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023،حدد القرار نطاق عمل البعثة بأن يشمل جميع ولايات السودان مع التركيز بشكل خاص على ولاية الخرطوم ومنطقة دارفور تماشياً مع طبيعة عمل البعثات وولايتها،وتشمل مهمة البعثة جميع الأطراف المشاركة في النزاع وهي القوات المسلحة،وقوات الدعم السريع وغيرها من الاطراف المشاركة في النزاع لانها تمارس السيطرة الفعلية على أجزاء من المناطق الدائر فيها النزاع ،وبالتالي تصبح مطالبة بإحترام حقوق الإنسان الاساسية داخل حدود المناطق التي تسيطر عليها ؛
ويجب على البعثة أن تعلن بوضوح ولايتها و أساليب عملها، ومعيار الإثبات الذي تعتمده مع إظهار جواز ومعقولية إتهام شخص بالضلوع في إرتكاب جريمة، لكنها غير مطالبة بإثبات إرتكاب الذنب بالطريقة التي تتبعها المحاكم ، واشار القرار الصادر بان ولاية البعثة يتضمن العمل على نحو منهجي في تسجيل وحفظ المعلومات والوثائق والادلة لإنتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني،وقد أقامت من قبل لجنة التحقيق الدولية الخاصة بدارفور إستنتاجاتها فيما يتصل بتحديد مرتكبي الإنتهاكات بناء على توافر مجموعة مواد موثوق بها متسقة مع ظروف أخرى جرى التحقق منها؛
ومن المعلوم بأن هذه البعثات لا تحل محل العدالة وإنما تقدم توصياتها للمؤسسات العدلية ،وقد نص القرار على أن تقدم اللجنة توصياتها بشأن تدابير المساءلة ،وإمكانية لجوء الضحايا إلى العدالة ؛وقد أوصت لجنة التحقيق الدولية التى أنشأت من قبل لاقليم دارفور،بأن يحيل مجلس الامن الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية،وفقاً للنظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية،مسببة قرارها بأن الكثير من الجرائم ا الموثقة في دارفور إرتكبت على نطاق واسع وبشكل ممنهج وتتوفر فيها جميع الشروط الدنيا الواردة في نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية،وجرى بالفعل تنفيذ توصيات البعثة وتمت إحالة الوضع في دارفور للمحكمة الجنائية الدولية .

ومن التحديات التي تواجه عمل تلك البعثات هي عدم إستعداد الحكومات أو الجهات الفاعلة غير التابعة للدول أو السلطات الخاضعة للتحقيق للتعاون معها،ورفض تقديم المعلومات والوثائق ذات الصلة بعملها، وقد يتم منعها من دخول البلد أو المنطقة التي وقعت فيها الحوادث المشمولة بالتحقيق ،بسبب صعوبة الوصول الى مناطق النزاع فقد لجأت بعثة تقصي الحقائق بشأن الجمهورية العربية السورية (2011)،وبعثة الامم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة (2009)إلى زيارة البلدان المجاورة للالتقاء بالاشخاص الذين ربما كانت لديهم معلومات مباشرة عن الاحداث المشمولة بالتحقيق ودعوة الشهود والضحايا إلى الشهادة خارج بلدهم ،ولم يمنع نقص تعاون السلطات من إجراء التحقيقات وتقصي الحقائق كما لم يمنها من التوصل إلى إستنتاجات ،وفي هذا الإطار نشأت أزمة بين السلطات الرواندية والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا حول التحقيقات في الجرائم التي أُرتكبت من أفراد الجيش الوطني الرواندي،وقد منعت السلطات منح المساعدات للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا،وطالبت بإسقاط تلك التحقيقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى