
التمريض…المهنة التي احببت..
عندما اقترح على والدى رحمه الله أن التحق بكلية التمريض ان لم تكن لى رغبة معينة ..اعتبرت ان اقتراحه امر واجب التنفيذ ..ولكني خفت الا استطيع تنفيذه ..لان التمريض اتجاه علمي وانا اتجاه أدبي…
ولكني نجحت فى الالتحاق بالكلية…وهناك نسيت الاتجاه العلمي وصعوبته لأنني وجدت نفسي هناك..
من أولوية ما علمونا ان نتقن فن الاصغاء…فالاصغاء فن لا يجيده الكثيرون..
قالوا لنا استمعوا للمرضي …وساعدوهم ليحكوا لكم فقد تكون هناك تفاصيل تساعد الطبيب فى علاج المريض وعلى الاقل..فالفضفضة تريح المريض …وتخفف عنه عناءه…
كان لى مريض فى مستشفي الشعب..يظهر عليه الاكتئاب رغم سنوات عمره الغضة…كنت إذا رأيته تحسبه فى الثانية والثمانين بالرغم من انه فى الثامنة والعشرين…
لقيت صعوبة كبيرة فى سبر غوره والغوص فى اعماقه فكنت احكي له عن نفسي ومدينتي لانى اعلم ان مدن السودان تتشابه فى تفاصيلها الصغيرة…
حاولت تشجيعه فلم يستجب حتى شعرت انني ادفع حائطا قويا ..
وفى احد الايام فاجأني قائلا… (لقد فعلت كل شئ حرام…كل ما يخطر على بالك…) قال ذلك وهو ينظر فى عيني مباشرة…ورغم ثقل ما قاله الا اني تماسكت وابتسمت قائلة( ومن منا لم يخطئ؟ الله يغفر كل الذنوب.. )..
فقال ولا زال ينظر فى عيني وانا ابذل جهدا قويا فى التماسك (حتي القتل اقترفته)…ودق قلبي بعنف ولكنى تماسكت اكثر وقلت (ما القتل الا ذنب اخر…قابل للغفران..) خفت ان يقول لى انه مشرك بالله فانا اعلم ان هذا هو الذنب الذي لن يغفره الله…
استمعت له وهو يحكي فعلمت ان القتل كان عن طريق الخطأ …قلت له عندما تخرج من هنا بالسلامة تذهب وتحكي للقاضي ما حدث..فى كل ما ارتكبت …فربما يغفر اهل القتيل لك وربما قبلوا بالدية…المهم ان لا يكون هناك من سُجن بسببك..
كان يائسا فقال لى واذا مت ؟ فقلت له ان شاءالله الله سيغفر لك لأنك نويت ان تتوب…فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له…واستمررت احادثه كل يوم …حتى نُقلت إلى عنبر اخر…
بعد فترة استدعاني الطبيب المسئول ليقول لى لى ان المريض اياه قد توفى متأثرا بمرضه ولكنه ترك خطابين…أحدهما اعترف فيه بكل ما ارتكب وطلب فيه العفو عنه والدعاء له…
والثاني طلب ان يبلغني ان حديثي معه كان بالنسبة له انتقالا من الظلمات إلى النور…
لا زلت اترحم عليه واحمد الله ان وضع كل منا فى طريق الاخر..
ارجوكم …اتقنوا فن الاصغاء…