منوعات

ٱدم ٱدم إساي يكتب …القهوة حضن أمي _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

القهوة حضن أمي

الإهداء :
إلى شلة قهوة ام طارق ، أصدقائي في الأحزان و المباهج
إلى ( محمد خضر ، سايكو ، مظفر ، محبة لا ضفاف لها )

عند الحديث عن القهوة لا مناص من أن تتوقف عند عتبة الدهشة و تستعير قرنقلة صبية من حدائق محمود درويش عاشق القهوة و حارس بوابتها السرية ، درويش صنع من قهوته أيقونة لا يستطيع أحد تجاوزها ، ( القهوة مفتاح النهار ، لا قهوة تشبه قهوة أخرى ، لكل بيت قهوته ، لكل يد قهوته ) هكذا هتف درويش ذات دهشة .

ما لم يصرح به محمود درويش في دفاتر مزاجه أن القهوة عندنا مركز المزاج _ ما دونها هوامش _ يدور حوله كل التفاصيل ، القهوة حضن أمي و ثرثرة رفاقي و مناديل حبيباتي ، القهوة طقس جماعي تقتلها العزلة و تفسدها الصمت لأننا على غير العادة نتشاركها كخبز الفقراء و كالمناولة المقدسة ، القهوة تشبه القداس تماما ، رائحتها ترانيم تمنح الأمكنة حزمة من العبق و تضبط إيقاع الأزمنة ، القهوة أناشيد العشاق و لذة العناق ، فهي نشوة البدايات و رعشة النهاية ، القهوة حكايات لا تعرف النهايات ، أمي هي التي سربت في دمنا عشق طعم البن و تعلمنا منها تفاصيله الدقيقة ، كانت أمي صانعة القهوة و الفرح تترك عطرها على حواف الفناجين و تسرب روحها مسام نكهتها ، كانت أمي ماهرة في تنتنة البن و كان ( فندكها ) مزينة بالخرز الملون و أغطية زحاجات المياه الغازية تساعدها ذلك علي ضبط الإيقاع ، لكل ٱمرأة تنتنتها الخاصة و الاثيرة التي تفصح عن مزاجها ، في طفولتي كنت أؤمن بان تنتنة أمي أجمل إيقاعات العالم كانت تسميه (صوت القطر) كانت تبدأ بطيئة فتتدرج في تصاعدها حتى تصل الذروة ، رغم السنوات الطويلة مازالت إيقاعات امي تفرض سطوتها على ذاكرتي ، رحلت أمي و مازال طعم قهوتها حاضر على لساني تحرضني لإحتساء الحنين .
القهوة سفر المواجد و خلاصة الخلاصات ، القهوة هندسة الهنيهة ، تمسك بتلابيب اللحظة .

 

 


ما لم يدركه درويش أن ( قلوة ) البن مفتاح الكيف (القهوة كيف و مزااج) ، لرائحة القلوة ( التحميص ) غواية لا تقل فتنة من نكهة الأزهار الإستوائية ، تظل الفتنة نائمة و لا تؤقظها سوى تصاعد رائحة قلي البن التي تحال لأسراب من الحمائم تحلق فوق سماء الحارة توزع الأغنيات لكل الناس و تعلن ميقات الفرح .
القهوة لم تكن القديسة في كل الأحوال ، هناك من يجعل منها بؤرة لنميمة ، النميمة فاكهة الخبثاء .
لكل بيت طقوسه الخاصة لإحتساء القهوة ، هناك من يشربها مصحوبة بالمكسرات و هناك من يقدمها مع الحلوى و الفشار ، هناك ما يبدأ طقسه بالغناء ، و يظل البخور هو القاسم المشترك الأجمل في كل الأحوال .
القهوة رائحة أمي لذلك نحن أوفياء لقهوتها نلوذ بها عندما تحاصرنا الأحزان منذ أكثر من ربع قرن نحن نقدسها و لا نخلف ميقاتها ، عند الظهيرة نتحلق حول رائحتها ، أنا و أصدقائي و رفاق المسارات المرهقة ، رغم غياب أمي هي باذخة الحضور في كل تفاصيل قهوتنا ، القهوة أرجوحة الشهوة عندما تكون ثالث أثنين داخل راكوبة مفروشة بالرمل و غارقة في عطر الصندل .
القهوة عندي حديقة الظهيرة نحج إليها (أنا و رفاقي ) كالعصافير نرتشف رحيقها ، و تمثال أضعها بالقرب من لوحة مصطفى سيد احمد داخل غرفتي الطينية العتيقة .
اصنع قهوتي بعشق متناهي امزجها بضحكات أصدقائي و عتاب حبيباتي و دندنة أغنياتي و ادوزن نكهتها بالزنجبيل و بعض من القرنقل ، صديقي( سايكو ) يعتبر ذلك ضياع لهوية القهوة فهو يصر بان لقهوة عبق يتسلل من روحها ، أنا لا أحب القهوة الصلعاء ، القرنقل هو جدائل القهوة و الزنجبيل تاجها .
ما لا يعرفه درويش عن القهوة ، فهي صديقة الضجيج و قربان يقدم في طقوس ( الزار ) و أيقاعته الصاخبة ، يظل روح ( بشير لومي ) الحبشي يشرئب نحو القهوة ، القهوة هي هدية الحبش لكل الدنيا .
القهوة رسولة (…….) لقلبي ، ذات دعاش وصفتني باني مزيج من القهوة و الحليب جاء على طعم فرنسي بديع منذ ذاك اللحظة أنا امشي بين العالمين و جبيني يناهز الشمس و يلامس عنان السماء .
ألم اقل لكم إن القهوة دفاتر حنيني و بوصلة ذاكرتي ، أشتاق أن اتسامر معكم في حين قهوة .

آدم آدم إساي
المناقل 21/ يونيو 2022 م

ملحوظة : اللوحات المصاحبة للنص قمت بتصميمها بنفسي ، أستخدمت القهوة في تصميمها بالإضافة لادوات كانت في متناول يدي ارتبطت وجودها باللحظة ، عندما كنت في ضيافة الدهشة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى