
في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، تبرز أزمة الحكم المحلي وتعيين الولاة كأحد أبرز ملامح الاحتقان الإداري والسياسي في السودان. فبين مركزٍ مهيمنٍ وولاياتٍ تبحث عن صوتها وحقها في إدارة شؤونها، تتجدد الأسئلة حول جدوى النظام اللامركزي، ومدى قدرته على تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة.
⚖️ جذور الأزمة
تبدأ الأزمة من الفجوة العميقة بين المركز والولايات. فبدلاً من أن يكون الحكم المحلي وسيلة لتقريب السلطة من المواطن، أصبح في كثير من الأحيان أداةً للهيمنة المركزية.
تعيين الولاة من قبل السلطة المركزية – بدلًا من انتخابهم – جعلهم في نظر المواطنين ممثلين للسلطة لا لمجتمعاتهم، مما أضعف الثقة وأفقد التجربة روحها الديمقراطية.
إلى جانب ذلك، تعاني الولايات من ضعف التمويل وغياب الموارد المستقلة، إذ تعتمد في معظم ميزانياتها على تحويلات المركز التي كثيرًا ما تتأخر أو تُقتطع، فتتعطل الخدمات وتُشل المشاريع التنموية.
💼 ولاة على المحك
يقف الولاة اليوم في موقفٍ معقد:
فهم من جهةٍ مطالبون بتنفيذ سياسات المركز، ومن جهةٍ أخرى محاسبون أمام جماهير ولاياتهم. هذا الوضع المزدوج يجعلهم أسرى لتوازنات سياسية أكثر من كونهم قادة تنمية حقيقية.
وفي المقابل، تتصاعد أصوات المواطنين مطالبةً بانتخاب الولاة مباشرة، باعتبار ذلك خطوة نحو إصلاح النظام الإداري وترسيخ مبدأ المشاركة الشعبية.
🌍 حكم محلي بلا سلطة
من المفارقات أن فكرة “الحكم المحلي” وُضعت لتوسيع دائرة المشاركة، لكنها اليوم تواجه تحدي البيروقراطية المركزية.
فالصلاحيات تتداخل بين الوالي والمعتمد والمجالس المحلية، مما يؤدي إلى شلل إداري وتضارب في القرارات.
أضف إلى ذلك غياب الكفاءات وضعف التدريب، مما يجعل بعض المحليات عاجزة حتى عن إعداد ميزانية أو خطة تنموية مستقلة.
🏗️ إصلاح ضروري لا يحتمل التأجيل
الحل لا يكمن في تبديل الأشخاص، بل في إصلاح البنية نفسها.
فلا يمكن الحديث عن حكم محلي فعّال دون:
انتخاب الولاة والمعتمدين مباشرة من الشعب.
توزيع عادل للموارد بين المركز والولايات.
تمكين إداري ومالي يضمن استقلالية القرار المحلي.
تحديث التشريعات التي تنظم العلاقة بين المستويات الثلاثة للحكم.
🕊️ الخلاصة
أزمة الولاة والحكم المحلي ليست مجرد ملف إداري، بل هي تعبير عن معركة هوية وعدالة بين المركز والهامش.
فكلما ظل القرار حبيس المكاتب المركزية، ابتعد المواطن عن الإحساس بالشراكة في الوطن.
أما إذا أُعيدت السلطة إلى قواعدها عبر مشاركة حقيقية، فحينها فقط يمكن أن تُثمر تجربة الحكم المحلي نموذجًا تنمويًا يُبنى من القاعدة إلى القمة.