راي

قولا لينا_ د/ محمد بشير الإمام mohamedemam.tr@gmail.com _ ابتسم أنت في ودمدني _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

قولا لينا
د. محمد بشير الإمام
mohamedemam.tr@gmail.com

ابتسم أنت في ودمدني
اللافتة الشهيرة التي زينت مدخل مدينة ود مدني من ناحيتها الشمالية المقابلة لطريق الخرطوم غرب النيل ومكتوب عليها ابتسم أنت في ود مدني ربما هي العبارة الأكثر رسوخا في ذاكرة أهل مدني وضيوفهم الأفاضل لأنها جمعت الجمال والأناقة والتسامح والترحاب وعبرت عن مضامين المدينة خفيفة الظل، كريمة الأصل وسليمة الذوق.
لمدينة ود مدني نكهتها الخاصة وتفردها الجميل ورونقها الجاذب وإبداعها الخالص الذي يسري في جينات مبدعيها ويأتي فطريا تلقائيا بلا صنعة أو كلفة كما انه لا يتقيد بحدود ولا ينحصر في أعمار معينة فنجد المبدعين في المدينة شيبا وشبابا رجالا ونساء، جماعات وأفراد ولا غرابة أن يكون في ود مدني سائق الرقشة درامي متميز ومعلم الشاورما عازف عود ماهر وبائع الخضار شاعر والبستاني فنان تشكيلي.
منذ خروجي منها في العام 2016 بعد أن باعدت بيني وبينها غربتي الاضطرارية ورغما عن تجوالي الذي شمل 4 دول إلا أن ودمدني سافرت معي في رحلتي الطويلة و رافقتني بنيلها و أشجارها و عصافيرها و حواريها و بيوتها و أزقتها و حياتها النهارية حيث ضجيج الأسواق و حركة الامجادات من السوق الكبير إلي جميع أنحاء المدينة و غدو الموظفين و رواحهم في بركات و البحوث الزراعية و الوزارات و المحليات و المدارس و حياتها الليلية مع منتدي نادي الخريجين و المخضرم خليفة النوحي و رفاقه و عروض مسرح الجزيرة و روائع فرقة ود حبوبة و اسكتشات عزالدين كوجاك و غيرهم من ملوك الكوميديا و الفنون الراقية. و كذلك تأسرني أصوات المدينة النائمة في أحضان الماضي البعيد و منها أصوات الذاكرين من المتصوفة وهم يطلقون العنان لحناجرهم في ارتقاء روحي عالي الهمة متجاوزا الارتباط بالمكان و متعمقا في بواطن الأسرار الخفية كما تستوقفني أصوات عمالقة الإذاعة و هم ينثرون الروعة علي امتداد دائرة البث و منهم الدكتورة عواطف سر الختم في ملتقي الأصدقاء و الراحل محمد محي الدين و دروب محنة و هادية عبيد جودة و إيقاعاتها الملونة و إيهاب الأمين وواحة فنون و غيرهم من الأسماء و النجوم اللامعة , و يطرق رنين ذاكرتي أيضا صوت مدثر القطر و هو يجوب طرقات المدينة مستغلا التاكسي المزود بالساوند سستم لينبهنا إلي قدوم احد فرق الدوري الممتاز لمباراة فرق مدني الاتحاد و الأهلي و جزيرة الفيل فقد كانت في منتصف الالفينات جميعها حضورا مع سباق الكبار و فرق القمة.
إنها ود مدني حاضرة الجزيرة المعطاءة التي لا تحتضن بنيها فقط وإنما كل من أتاها زائرا يعاوده الحنين إلى تكرار الزيارة مرات ومرات والبعض يختارها مقرا للإقامة والاستقرار.
بعد انزلاق بلادنا في دوامة الفوضى وغياهب الظلمات التي أرجعتنا إلى حقب الجاهلية الأولى وفرضت علينا قبول الحياة في غابة حيوانات متوحشة مخالبها ازرار الأسلحة وأنيابها رصاص رعاة الحرب الخبثاء أقف مع نفسي وأتساءل هل تعود ابتسامة ود مدني التي اختارتها شعارا لمدخلها الرئيس و هل يبتسم السودان بأكمله بعد أن صادرت فرحته بربرية المليشيا المتمردة وانتهاكاتها التي استنكرها كل أصحاب الضمير اليقظ و الشعور الإنساني السوي.؟ نعم يبتسم السودان بعد التعافي من نكبته قريبا بمشيئة الله وهذا ما يدور في ذهني وتوقعاتي ويقيني الكامل، نعم سيعود السودان أقوى مما كان وستعود جميع مدنه وقراه وتشرق من جديد أكثر زهوا وشموخا وألقا ووضاءة ولكن لتحقيق حلم العودة إلى الأمن والاستقرار وبدء رحلة العطاء والحفاظ على بلادنا من كيد الكائدين وتفويت الفرصة على كل متربص وطامع في أرضنا ومكتسباتنا لا بد من بداية صفحة جديدة مع أنفسنا لتصحيح مساراتنا الخاطئة والتي كانت سببا في وصولنا إلى ما وصلنا اليه وجميعنا يعلم موطن قصوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى