قولا لينا ــ د. محمد بشير الامام ــ mohamedemam.tr@gmail.com أيام في تركيا (3—3) ــ بعانخي برس

لكل شعب ثقافته التي تميزه و موروثاته التي يعتز بها و من المؤكد ان الوافدين الي بلد ما يجدون ما يعجبهم و ما لا يعجبهم في مهاجرهم الا انني في هذه العجالة و كما اطلقت وعدي مسبقا بتكملة سلسلة مقالات أيامي في تركيا سادلف الي ما لاحظته من جوانب إيجابية علي طول اقامتي التي امتدت الي سبع سنوات باراضيها الرحبة فهي تراكمات متوارثة من السلوك الجمعي لتكوينات سكانية شكلت ثوابت ثقافية يشار اليها بالبنان استقرارا و انسجاما و ازدهارا اتي نتاجها نموذجا نهضويا جدير بالتامل و الاعجاب.
منذ الوهلة الاولي بعد وصولي لغرفتي بالمسكن الطلابي الذي شاركني فيه صديقي الاثيوبي الخلوق الدكتور عبد اللطيف حاج اسماعيل ادهشتنا صفات عمال النظافة و انهم حقا كانوا رائعون باخلاصهم في العمل و تصالحهم مع اوضاعهم المهنية و حبهم لتادية الواجب بنشاط متجدد و شغف لا نظير له و من المبهر اننا بعد أيام قليلة اكتشفنا ان هذه الصفات الجميلة ليست حكرا علي عمال النظافة فقط فغالبية الشعب التركي يتميز باتقانه لما يؤديه من عمل بمنتهي الصبر و التركيز و لا اذكر ان موظفا او حرفيا او عاملا عاديا خيب ظني في مهمة يؤديها.
.يتميز الاتراك ايضا بانهم شعب محب للنظام و الجمال و الاناقة فهندامهم يسر العين وحدائقهم منسقة بشكل لافت للانظار و شوارعهم تكسوها الزهور من كل جانب و هم ينفقون علي تنظيم وتزيين بلادهم انفاق من لا يخشي الفقر و كذلك فان اكثرهم كرماء يعتبرون اكرام الضيف جزءا من اصالتهم التاريخية المرتبطة بتعاليم الدين الإسلامي لذلك يصفون ضيوفهم بالمهاجرين كما يسمون انفسهم الأنصار و هذا منطقهم السائد في اقناع زائريهم لقبول كل ما يقدمونه من عطاء بلا جدال و لديهم شعور علي درجة عالية جدا من الاهتمام باسعاد اصدقاءهم الأجانب يحرصون علي تقديم الهدايا اليهم ودعواتهم الي تناول الوجبات بمنازلهم او بالمطاعم و ما يميز ثقافتهم الغذائية انها متعلقة بالمواسم فعلي سبيل المثال لديهم نوع معين من الخبز خاص بشهر رمضان المعظم كما لديهم مائدة خاصة بايام عاشوراء و اسمها ماخوذ من المناسبة الدينية نفسها و تختلف اطعمتهم باختلاف المواسم في كل عام والاتراك يقدرون قيمة النعمة و يعملون علي محاربة الاسراف بقدر كبير من الحرص و يذكرون غيرهم بذلك و يعتقدون ان الأطفال من اكبر النعم لذا يبدون محبة خاصة تجاههم يتعاطفون معهم لابعد الحدود و يداومون علي اشراكهم بالحضور في مجالسهم.
الاتراك قوم بارعون في إدارة الوقت و يتميزون بالجدية و الدقة في احترام المواعيد و الوفاء بالوعد و اغلبهم صادقون يحبون الصراحة و يكرهون النفاق لديهم غيرة فطرية علي الإسلام حتي غير المتدينين منهم و يتساوون جميعا امام عشقهم اللا متناهي لبلادهم و العمل من اجلها , يتوارثون خصال مشتركة عديدة ابرزها الصلابة في مواطن الشدة و التعاون علي أهدافهم السامية بروح قومية موحدة مستمدة من قوة ارادتهم الفردية الظاهرة حتي في أسمائهم و اكثرها الصخرة السوداء و حجر الحديد و الأسد و النمر و الشجاع والبرق و السيف و البطل و فاتح و غازي وحرب غيرها من معاني الاقدام و الصمود.