راي

قولا لينا ــ د. محمد بشير الامام ـ mohamedemam.tr@gmail.com ـ الجزيرة تموت ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

منذ انزلاق بلادنا في أوحال الفوضى الخلاقة بسبب حربها المجنونة، صرنا نشهد مسلسلاً من استرخاص روح المواطن إلى الدرجة التي أضحت فيها أرخص من سيجارة ينفث دخانها الجنجويدي القاتل، وهو مزهو بجريمته الشنيعة.
مع كل قطرة دم زكية سالت من مواطن بريء لا تربطه صلة بالسياسة من قريب أو بعيد، تتجدد في نفوسنا الحيرة من تبريرات المليشيا وادعاءاتها الكاذبة بأنها ستنشر الديمقراطية في أرض السودان بعد أن ملئت جوراً وظلماً، وأنها حالياً تحارب فلول النظام السابق وقيادات وأفراد القوات المسلحة السودانية، وأنها تعمل على حماية الثورة السودانية المجيدة التي اقتلعت البشير.
وما قامت به مليشيا ال دقلو في شرق وشمال الجزيرة فقط في غضون الأيام القليلة الماضية، حسب قناة الجزيرة الإخبارية، أسفر عن سقوط 1237 قتيلاً، أكثرهم من مدينة الهلالية التي فقدت 359 مواطناً أعزل، وكذلك تمبول 300 ضحية، إضافةً إلى بقية القتلى من السريحة والعقدة والبروراب وود السيد ومكنون والعزيبة ورفاعة وديم الياس وود الفضل وأزرق والحضور والشرفة بركات وغيرها من المناطق التي لا يمكن حصرها. والمليشيا كعادتها عندما تهاجم منطقة ما، لا تكتفي بمواجهة الرجال في الميدان، وإنما تتلذذ بإظهار قوتها على النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، وإذلالهم ونهبهم وتشريدهم من منازلهم بأساليب منحطة لا تمت لأخلاق السودانيين بصلة.
منها، على سبيل المثال، شاب يسمي نفسه “شارون” تيمناً بمجرم حرب تلطخت يديه بالدماء، حتى مكث ثماني سنوات في موت سريري تأكل اليرقات من لحم رأسه، وهو يصرخ من الألم. هذا الشاب يصور نفسه ممسكاً بلحية شيخ في مقام جده، يجرها منها يميناً وشمالاً استهزاءً وسخرية. وآخر يصوب السلاح من أعلى سيارته الحربية على المواطنين ويطلب منهم الركض، والسيارة من خلفهم. وكذلك بعض أفراد المليشيا يجبرون المواطنين على ترديد أصوات الحيوانات احتقاراً لإنسانيتهم، وأكثرهم يشهرون السلاح في وجوه المواطنين وفي أيديهم الهاتف لمطالبة ذويهم بإرسال المليارات كفدية لإطلاق سراحهم. وهذا قليل من كثير مما تمارسه عصابات الجنجويد في حق الأبرياء، ليس في الجزيرة فقط، ولكن في كل بقعة دنسوها وأظهروا فيها الفساد. ورغم كل تجاوزات المليشيا وجرأتها على الله ومجاهرتها بكل ما هو مرفوض من الفطرة الإنسانية السليمة، إلا أن المتأمل لمسيرة تاريخ الظلم والاستبداد يتأكد تماماً بأن هؤلاء الشرذمة من الأوباش إلى زوال، وأن أيامهم صارت معدودة، ومثلما أتوا كالأقدار الخاطفة، سيزولون كذلك بمنتهى السرعة، ويولون الدبر إلى مذبلة التاريخ بلا عودة، فلكل ظالم نهاية. ويقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: “الشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت، الصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله. “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى