
اذا نظرنا لشعوب العالم باسره في مشارق الأرض و مغاربها لوجدناها لا تخلو من البلاء مع تفاوت و اختلاف درجات و أنواع المصائب التي تحل بهم , فمنهم من يبتلي بالزلازل او الفيضانات و الحرائق ومنهم من تهاجمه الامراض الفتاكة او تصيبه الانفجارات الفجائية او غيرها من الكوارث و المكاره و في نهاية المطاف لا يفلح الا الصابرون من المؤمنين ايمانا حقيقيا راسخا لا تغيره تقلبات الدهر.
مما لا شك فيه ان الحرب التي اشتعلت في بلادنا منذ منتصف ابريل من العام المنصرم تعتبر واحدة من الابتلاءات الربانية الواضحة لكل متضرر من نشوبها و هذه هي حكمة الله في عباده و هو احكم الحاكمين و ارحم الراحمين و هو الذي ينزل البلاء علي العباد ليمتحن صبرهم و ايمانهم و ليرفع درجاتهم.
نعم مصيبة الحرب كبيرة و هولها مفزع و اثارها ممتدة الا انها و مع كل ذلك تحمل معها البشريات خصوصا للصابرين علي جحيمها المسلمين بانها امر الله و هو القائل : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الانفس و الثمرات و بشر الصابرين) أي تشريف و اكرام و تمجيد افضل من تبشير الله عز وجل لعباده الصابرين بنفسه و هو يقول ( و بشر الصابرين* الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون *أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون *.
الذين فقدوا ارواحا عزيزة في هذه الحرب عليهم ان يتذكروا ان رسولنا الكريم عليه افضل الصلوات و اتم التسليم كان أبا لسبعة أطفال ثلاثة أولاد و اربع بنات مات ابنه الأول و عمره سنتان و بضعة اشهر و مات ابنه الثاني و عمره عام و نصف و مات ابنه الثالث و عمره سبعة عشر شهرا و تزوجت ابنته الاولي و ماتت في سن الثامنة و العشرين و تزوجت الثانية و ماتت في الحادي و العشرين من عمرها ثم تزوجت الثالثة و ماتت و عمرها سبعا و عشرين و بذلك فقد جميع ذريته من الذكور و الاناث ( القاسم و عبد الله و إبراهيم و زينب و رقية و ام كلثوم و لم يبق بعد وفاته سوي فاطمة.
و الذين تعرضوا للتعذيب او العنف الجسدي عليهم استحضار قصة سيدنا إبراهيم و القائه في نار اشعلها اعداؤه من الكافرين لمدة ثلاثين يوما و قد كان وقتها عمره ستة عشر عاما فقط و عندما اتاه سيدنا جبريل قائلا لو امرتني لاطفات النار و اهلكتهم جميعا رد بقوله عالم بحالي غني عن سؤالي .
انها قصص تستوجب التامل و نماذج علينا الاقتداء بها فالمؤمن يجب ان يصير علي كل ما يصيبه من مصائب و بلايا لينال اجر الصابرين الشاكرين كما قال رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) لذا إضافة الي صبرنا علينا بالاستغفار و الدعاء و الصدقة و التقرب الي الله ليطفيء نار الحرب و يهيئ بلادنا لتستعيد موقعها الطبيعي باذنه تعالي امنا و طمانينة سخاء ورخاء تسع جميع أهلها و علينا بفتح صفحة جديدة بيضاء ملؤها المحبة و التسامح و الاخاء و التعاون و البناء..