راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر ــ Ghariba2013@gmail.com ــ ضرورة حصر السكن العشوائي وتوفير سكن كريم: ضرورة ملحة في ظل تحديات ما بعد الحرب ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

لقد خلفت الحرب الأخيرة في السودان، وخاصة في العاصمة الخرطوم، تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية جسيمة. فبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح والنزوح القسري، برزت قضية السكن العشوائي وتفاقمت حدتها لتشكل تحديًا مضاعفًا أمام جهود التعافي وإعادة الإعمار. إن حصر هذا النوع من السكن وتوفير بدائل كريمة للمواطنين في كافة المدن السودانية، وعلى رأسها الخرطوم، لم يعد مجرد مطلب تنموي، بل ضرورة ملحة تفرضها الظروف الراهنة وتستدعي تحركًا عاجلًا ومدروسًا من كافة الجهات المعنية.
إن ما ورد في التصريحات الإعلامية الأخيرة لوالي ولاية الجزيرة أثناء زيارته لوحدة الباقير الصناعية، والتي شدد فيها على ضرورة حصر السكن العشوائي والبحث عن حلول إسكانية بديلة عبر المباني الرأسية، يمثل نقطة انطلاق هامة نحو إدراك خطورة هذه القضية. فالسكن العشوائي، بطبيعته غير المنظمة وغير المخطط لها، غالبًا ما يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة من بنية تحتية سليمة (مياه، كهرباء، صرف صحي)، وخدمات أساسية (تعليم، صحة، أمن). وقد تزيد هذه الهشاشة من معاناة السكان المتضررين من الحرب، وتعيق جهود إعادة دمجهم في المجتمع واستقرارهم.
إن تداعيات الحرب الأخيرة قد فاقمت من مشكلة السكن العشوائي في الخرطوم بشكل خاص. فنزوح أعداد كبيرة من المواطنين من مناطق القتال أدى إلى زيادة الضغط على المناطق الآمنة نسبيًا، ولجوء الكثيرين إلى بناء مساكن مؤقتة وعشوائية في ظروف قاسية. هذا الوضع لا يهدد فقط صحة وسلامة هؤلاء النازحين، بل يشكل أيضًا عبئًا على البنية التحتية المتهالكة أصلاً في العاصمة، ويعيق جهود استعادة النظام وتطبيع الحياة.
إن توفير سكن كريم للمواطنين ليس مجرد حق إنساني أساسي، بل هو أيضًا عامل حاسم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. فالسكن الملائم يوفر الأمان والخصوصية والكرامة للأفراد والأسر، ويساهم في تحسين صحتهم النفسية والجسدية، وتمكينهم من الانخراط بفاعلية في جهود التنمية وإعادة البناء. وعلى العكس من ذلك، فإن استمرار السكن العشوائي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والأمنية، ويخلق بيئات حاضنة للجريمة والعنف، ويعيق أي جهود جادة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
إن الحلول المقترحة من قبل والي الجزيرة، والتي تركز على بناء مباني رأسية كبديل للسكن العشوائي، تبدو منطقية في ظل محدودية الأراضي وضرورة استيعاب أكبر عدد ممكن من السكان في بيئات منظمة ومجهزة بالخدمات الأساسية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تضافر جهود العديد من الجهات، بما في ذلك وزارة التخطيط العمراني، وشركات الكهرباء والمياه، والمؤسسات العدلية لضمان تطبيق القانون ومنع التعديات على الأراضي، بالإضافة إلى القطاع الخاص والمستثمرين للمساهمة في تمويل وتنفيذ مشاريع الإسكان.
إن الإشارة إلى ضرورة تأمين المصانع وحراستها، والإسراع في معالجة مشاكل الكهرباء، يؤكد على الترابط الوثيق بين توفير السكن الكريم وإعادة إعمار الاقتصاد وتطبيع الحياة. فعودة النشاط الاقتصادي وتوفير فرص العمل يعتمد بشكل كبير على استقرار الأوضاع الأمنية وتوفر البنية التحتية الأساسية، وهو ما سينعكس إيجابًا على قدرة المواطنين على الحصول على سكن لائق والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لبلادهم.
ختامًا، يمكن القول إن حصر السكن العشوائي وتوفير سكن كريم للمواطنين السودانيين، وخاصة في العاصمة الخرطوم التي تضررت بشدة من الحرب، يمثل أولوية قصوى يجب التعامل معها بحزم وعزم. إنها مسؤولية وطنية تتطلب رؤية واضحة، وتخطيطًا استراتيجيًا، وتنسيقًا فعالًا بين كافة الجهات المعنية. إن تحقيق هذا الهدف ليس فقط واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل السودان واستقراره وازدهاره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى