شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ ضرورة إخضاع مبادرات خدمة السودانيين في مصر لإشراف السفارة: حماية للجالية من التجاوزات ــ بعانخي برس
بعانخي برس

شهدت الفترة الأخيرة، وفي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان الشقيق، تزايدًا ملحوظًا في عدد المبادرات والجهود المبذولة لخدمة السودانيين المقيمين في مصر، سواء كانت هذه المبادرات إغاثية، مجتمعية، أو تلك المتعلقة بتسهيل العودة الطوعية. ولا شك أن هذه الجهود، التي تنبع من حس التكافل والتعاون، تستحق الإشادة والتقدير. إلا أننا، ومع كل تقديرنا لهذه المساعي الحميدة، لا يمكننا أن نغض الطرف عن بعض التجاوزات التي بدأت تطفو على السطح، والتي تستدعي وقفة جادة وإعادة تنظيم لضمان حماية مصالح الجالية السودانية في مصر.
لقد كشفت الحادثة الأخيرة المتعلقة بعالقِي العودة الطوعية في شاطئ النخيل الهانوفيل بالإسكندرية، والتي تمثلت في اختفاء المنظم للرحلة وترك الأسر في وضع محفوف بالمخاطر، عن ثغرة واضحة في آليات عمل بعض هذه المبادرات. صحيح أن الجهود المشكورة للسفارة السودانية بالقاهرة والقنصلية العامة بالإسكندرية، ممثلة في سعادة القنصل عبد الخالق عبد الحميد، وجهاز شؤون المغتربين، ورئيس الجالية المهندس محمد إبراهيم النور، قد نجحت في حل المشكلة وسداد تكلفة الباصات، وهو ما يستدعي الشكر والتقدير لكل من ساهم في ذلك، إلا أن هذه الحادثة ما كان لها أن تحدث لو كانت هناك آليات واضحة للرقابة والإشراف المسبق.
إن ما حدث في الإسكندرية ليس سوى جرس إنذار يدفعنا إلى المطالبة بضرورة إخضاع جميع المبادرات وكل المجالات التي تشمل تجميع الأموال، مهما كان حجمها أو غرضها، إلى اختصاص محدد تابع للسفارة وتحت إشرافها ومتابعتها المباشرة. وهذا ليس دعوة للحد من العمل الخيري أو تقييد المبادرات المجتمعية، بل هو دعوة لتنظيمها وتأطيرها بما يضمن الشفافية والمساءلة وحماية أموال الجالية من أي استغلال أو سوء إدارة.
يعتبر المطالبة بهذا الإشراف من قبل السفارة ضروري في عدة نقاط أساسية منها حماية الأموال والجهود، وتجميع الأموال، حتى لو كانت لأهداف نبيلة، يتطلب رقابة صارمة لضمان وصولها إلى مستحقيها وعدم تبديدها أو استغلالها لأغراض شخصية. فمع غياب الإشراف الرسمي، يمكن أن تقع هذه الأموال فريسة لعديمي الضمير أو لسوء التنظيم، مع ضمان الشفافية والمساءلة، وعندما تكون المبادرات تحت مظلة السفارة، فإن ذلك يضمن وجود جهة رسمية يمكن مساءلته وطلب كشوفات حسابات واضحة منها. هذا يعزز الثقة بين المبادرات وأفراد الجالية.
يمكن للسفارة، بصفتها الممثل الرسمي للدولة، أن تعمل على تنسيق جهود المبادرات المختلفة وتوجيهها نحو الأولويات الأكثر إلحاحًا، مما يجنب الازدواجية ويضمن الاستفادة القصوى من الموارد، بجانب منع الاستغلال والتلاعب. فمع تزايد عدد المحتاجين، تظهر فرص التلاعب والاستغلال. الإشراف الرسمي يمكن أن يحد من هذه الممارسات ويحمي الفئات الأكثر ضعفًا، وذلك من أجل بناء الثقة وتوطيد العلاقة، فعندما يشعر أفراد الجالية بأن هناك جهة رسمية موثوقة تشرف على المبادرات وتضمن سلامة أموالهم، فإن ذلك يعزز الثقة في هذه الجهود ويشجع على المزيد من التعاون والتكافل.
لتحقيق هذا الهدف، يمكن للسفارة السودانية بالتعاون مع القنصليات وجهاز شؤون المغتربين والجالية بمصر، وضع آليات واضحة وشفافة، منها على سبيل المثال إنشاء سجل رسمي للمبادرات، يتضمن بيانات عن القائمين على المبادرة وأهدافها ومصادر تمويلها، ووضع معايير واضحة لجمع الأموال وصرفها تضمن الشفافية وتمنع التجاوزات، مع تشكيل لجنة إشراف ومتابعة تتولى مراجعة التقارير المالية والإدارية للمبادرات بشكل دوري، وتفعيل دور الجالية في الرقابة من خلال ممثلين عنهم في لجان الإشراف أو من خلال قنوات للشكاوى والاقتراحات، وتوفير الدعم القانوني والإداري للمبادرات لمساعدتها على العمل وفقًا للأطر القانونية والدبلوماسية.
إن معالجة مشكلة العالقين في الإسكندرية، على أهميتها وتقديرنا لها، يجب أن تكون نقطة تحول تدفعنا نحو تنظيم أكثر إحكامًا لمبادرات خدمة السودانيين في مصر. فالدعوة إلى خضوع جميع المبادرات وكل المجالات التي تشمل تجميع الأموال لاختصاص محدد تابع للسفارة وتحت إشرافها ومتابعتها، ليست سوى خطوة استباقية وضرورية لحماية الجالية وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وللحفاظ على الصورة النبيلة للعمل الخيري والتكافلي الذي يميز الشعب السوداني. إنها دعوة لتعزيز الثقة والشفافية، ولحماية مستقبل هذه الجهود الطيبة من أي تجاوزات قد تسيء إليها، وتشير إلى مجهودات اللواء دكتور أمين إسماعيل مجذوب مساعد السفير لشؤون المبادرات والجودة، ولكن يبدو أن الأمر يتطلب مزيد من الاهتمام وتحديد التخصصات والتعاون من خلال مكتبه مع مجموعات من أفراد الجالية والإعلاميين.