راي

المحامي عمر حامد يكتب ..الأحزاب السودانية ومعركة البقاء في زمن الأزمات ! ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

الأحزاب السياسية في السودان
تواجه تحديات متفاقمة غير مسبوقة في ظل الصراعات المستمرة التي تعصف بالبلاد. انعكست هذه التحديات بوضوح على أدائها ودورها في المشهد السياسي، حيث تراجعت مكانتها كقوى قادرة على إدارة الأزمات وقيادة التغيير.

التاريخ السياسي للسودان حافل بتجارب حكم عسكري متكررة بدأت بانقلاب إبراهيم عبود في عام 1958، وأدت إلى خلق بيئة سياسية مضطربة تهيمن عليها النزعات السلطوية على حساب الخطاب الديمقراطي. كما لعبت الصراعات الإقليمية دورًا كبيرًا في تحويل السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية، مما أضعف الأحزاب السياسية وأفقدها قدرتها على التأثير المستقل في القضايا الوطنية.

إلى جانب الإرث التاريخي، ساهم الفساد في تفاقم أزمة الأحزاب، إذ أدى إلى تآكل الثقة في المؤسسات السياسية وجعلها مرتبطة بمصالح ضيقة ونزاعات داخلية. وبدلاً من أن تكون الأحزاب منصات تعبر عن آمال وتطلعات الشعب، أصبحت تعاني من عزلة متزايدة عن القواعد الشعبية، مما أفقدها جاذبيتها كمحرك للتغيير.

الصراعات والحروب المستمرة أضافت أبعادًا جديدة لهذه الأزمة. فقد تسبب التشتت الجغرافي في تفكيك قواعد الدعم الشعبي للأحزاب، بينما تعرضت هذه الكيانات لضغوط أمنية هائلة قيدت قدرتها على الحركة والعمل. كما أثر الصراع على مصادر تمويل الأحزاب، ما أدى إلى شلل شبه كامل في أنشطتها التنظيمية وأضعف قدرتها على لعب دور حاسم في المشهد السياسي.

رغم هذه التحديات، تتمتع الأحزاب السياسية في السودان بقدرة كامنة على تجاوز أزماتها إذا ما استطاعت التوحد حول رؤية مشتركة لإنهاء الحرب وإيجاد حلول سياسية شاملة. هذا التوحد يجب أن يهدف إلى تقديم بدائل واضحة لبناء دولة سودانية قادرة على تلبية تطلعات الشعب وتحقيق الاستقرار. الاتفاق على رؤية موحدة بين الأحزاب سيمكنها من الضغط على أطراف النزاع لإنهاء الحرب، وطرح مشروع سياسي يعيد تشكيل مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديمقراطية.

التجربة السودانية يمكن وضعها في سياق مقارن مع دول أخرى، حيث يمكن استخلاص دروس مهمة. ففي مصر، على سبيل المثال، كان القمع السياسي سببًا رئيسيًا في تراجع الأحزاب، بينما استطاعت جنوب إفريقيا بناء نظام تعددي قوي رغم إرث التمييز العنصري. هذه التجارب تسلط الضوء على أهمية تعزيز الشفافية وبناء مؤسسات سياسية قادرة على تحمل الضغوط وتحقيق الاستقرار.

وللخروج من هذه الأزمة، هناك حاجة ماسة لإجراء إصلاحات جذرية في النظام السياسي، تشمل تعديل الدستور وتعزيز المبادئ الديمقراطية بما يضمن الحماية للأحزاب من التدخلات الخارجية والأمنية. كما أن بناء الثقة بين الأحزاب والمواطنين يتطلب الالتزام بالشفافية والمساءلة، وتقديم برامج واقعية تعكس طموحات الشعب.

تمكين الشباب والمرأة يمثل أيضًا أولوية ملحة، فطاقاتهم ودورهم في الحراك السياسي يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني. وعلى الصعيد الدولي، يتعين على المجتمع الدولي تقديم دعم فعال للانتقال الديمقراطي في السودان من خلال تمويل مشاريع بناء القدرات السياسية وتعزيز المؤسسات الديمقراطية.

إن استنهاض دور الأحزاب السياسية يتطلب منها قدرة على توحيد رؤاها، ليس فقط لإنهاء الحرب، بل لتقديم مشروع شامل يعيد بناء السودان على أسس جديدة، تتجاوز التحديات الراهنة نحو مستقبل يعمه السلام والاستقرار والديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى