راي

قولا لينا _ د. محمد بشير الامام _ حوار مع سائق تاكسي _ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

قادتني ارادة الله في الايام القليلة الماضية ان اعبر برا من السعودية الي قطر و بعد وصولي للاراضي القطرية مباشرة و نحن في حدود الدولتين قدر الله أن يصادفني سائق تاكسي سوداني وبعد الاتفاق علي قيمة الاجرة مقابل توصيلي لمقر سكني انطلقنا و بدانا نتجاذب اطراف الحديث اثناء مشواري الممتد لاكثر من ساعة علي اطراف مدينة الدوحة في اجواء شتوية تشتد رياحها الهوجاء القاسية و هي تلفح الوجوه محملة بالحصي و الاتربة فجاء الحوار عاصفا لعله متضامنا مع شدة الطقس و عنفه الضارب .

سائق التاكسي شاب ثلاثيني مندفع و يبدو انه شغوف بالسياسة فكان لا يغادر حديث العسكر و السياسيين المدنيين الا ليعاود سيرته تارة اخري ليزيدهم مدحا وتمجيدا فاردت مشاركته بالبحث عن جذور ازمتنا الحالية و رغما عن محاولاتي المتكررة و المدعومة بالادلة و النماذج الحية و النتائج الواضحة باقناعه ان جزءا اصيلا من مشكلتنا الراهنة يكمن في ثقافتنا المشوهة التي تؤمن علي مسلمات تستند الي انظباعات وهمية تفتقر الي ابسط مقومات المنطق و العقلانية الا انه و بكل اسف لم يقتنع بل كان يزداد اصرارا و الحاحا علي انه غير مخطئ في جداله فهلموا الي مقتطفات من الحوار الذي دار بيننا .

اشرت في حواري معه الي اننا كشعب نتحمل قدرا كبيرا من التسبب في ازمتنا الحالية و ذلك من خلال رفضنا للاخر بلا مسوغات مقنعة لهذا الرفض فخالفني الراي باغلظ العبارات و هو متمسكا برايه في رفض الاخر متحججا بانه حرية شخصية لا غبار عليها و عندما اردت تقريب المسافة و سالته افتراضا اذا تقدم شاب سوداني لمصاهرته و هو من خارج قبيلته فلم يخيب ظني الذي توقعته بالرفض القاطع المصحوب بصرخات الاستهجان و الغضب و هو يشدد علي ان البنت لابن عمها وهو الاولي بها , اصابني بالياس في تغيير وجهة نظره حيال المصاهرة ففكرت في البحث عن محور اخر للنقاش فسالته هل يسمح باستئجار منزل فائض عن حاجته لشخص من خارج قبيلته شريطة ان يجاورهم في السكن فكانت المفاجاة كذلك برفضة و تعصبه لذات الراي الاول متحججا بانهم جميعا اهل و لا يرغبون في ادخال الغريب علي دائرتهم العائلية و عندما ذكرته بالاية الكريمة الواردة بسورة الحجرات ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثي و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) لم يعرها اهتماما واستمر في عناده من جديد .

اللافت للانتباه ان امثال هذا الشاب في مجتمعنا السودان ليس بالعدد القليل و اكثر تلك الفئات تعاني من مرض التعصب للقبيلة بدرجة اعلي من الانحياز للوطن نفسه و السؤال المهم الذي تجدر الاهمية لذكره كيف يتعافي السودان في مكوناته الاجتماعية و تجانسها و تقويتها من الداخل طالما ان غالبية الناس يفضلون الانتماء للقبيلة او الجهة بدلا عن الانتماء للوطن الكبير و يرون في ذلك ولاءا مطلوبا و امرا طبيعيا غير قابل للنقاش اصلا بل يؤدونه حتي بالامثال الشعبية التي تبرره و منها علي سبيل المثال لا الحصر انا و اخوي علي ولد عمي و انا وولد عمي علي الغريب .

فكرة العنصرية البغيضة المنتنة الغبية و التي بداها ابليس عليه لعنة الله عندما امتنع عن السجود لادم متحججا بان عنصره الاولي في الخلق من النار و لا يسجد لادم المخلوق من طين , هذا الخواء و التكبر عديم المعني الان يتجه كل العالم لمحاربته و ان لم ننتبه نحن لوضع ضوابط جديدة لتوحيد انسجتنا الاجتماعية و تذويب جميع مكوناتها في كيان سوداني قومي يعبر عن تنوعنا و اختلافاتنا سنظل في ذات المحطة التي لم يبارحها سائق التاكسي انف الذكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى