
بعانخي : وكالات
1- الخلفية التاريخية والتحولات الكبرى ، “التحالفات السودانية-الإيرانية السابقة”
خلال نحو ثلاثة عقود، كانت العلاقات بين السودان وإيران قوية دبلوماسيًا، اقتصاديًا وعسكريًا.
لكن في 4 يناير 2016، أقدمت السودان على قطع كل علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، عقب أحداث اقتحام السفارة السعودية في طهران، وانخراط السودان مع السعودية في محور ضد إيران.
السبب المباشر: رغبة السودان في التماهي مع السعودية وحلفائها، فضلاً عن أن التحالف مع إيران جلب للسودان “أكثر مما استفاد” كما جاء في تحليل أحد المصادر.
استئناف العلاقات والتحوّل الجديد
في 9 أكتوبر 2023، اتفقت السودان وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة، وأعلنا فتح السفارات.
في يوليو 2024، تبادل الطرفان السفراء رسميًا، وأعيد افتتاح السفارة السودانية في طهران.
2. أبعاد سياسية ودينية: التحالف السني–الشيعي والمراوغة
المراوغة في التحالف
“التحالف” بين الإسلاميين السودانيين وإيران ليس حليفًا عقائديًا واضحًا بل ذو طابع مصلحي: حين يحتاجون سندًا خارجيًا يلجأون إلى إيران، وحين يحتاجون شرعية عربية يتجهون إلى السعودية والخليج.
هذا التذبذب يكشف أن الإسلاميين في السودان يحاولون اللعب على الخطوط السنية والشيعية كأوراق ضغط، وليس كتحالف ثابت.
الصراع السني–الشيعي وتأثيره
استئناف العلاقات مع إيران يأتي في سياق تصعيد محوري: إيران تسعى لتعزيز تواجدها في السودان وجنوب البحر الأحمر كجزء من “استراتيجية محور”.
من جهة أخرى، دول الخليج — وخصوصًا المملكة العربية السعودية — تنظر بحساسية لأي تقارب إيراني في السودان أو المنطقة المحيطة بها.
النتائج الداخلية: منطق السيطرة والتوظيف
الإسلاميون في السودان يجيدون استخدام الدين والسيادة كغطاء لتوسّع نفوذهم السياسي، لكن النتيجة غالبًا هي مزيد من التبعية والتحكّم في المؤسسة العسكرية والدولة.
ما يبدو كخطوة دبلوماسية أبسط (فتح سفارة مثلاً) هو في الواقع جزء من معركة أكبر: السيطرة على القرار الوطني عبر تحالفات خارجية ـ داخلية.
3. تضارب المصالح الإقليمية والدولية
مصالح السعودية والخليج
السودان موقعه استراتيجي: مطلّ على البحر الأحمر، وهو طريق ملاحي مهم. أي تغير في التحالفات فيه يثير مخاوف لدى السعودية والخليج.
السعودية والإمارات ومصر تُفضل بقاء السودان ضمن “المعسكر العربي – السنّي” وليس فتح باب واسع لمحور إيراني في إفريقيا أو البحر الأحمر.
إضعاف السودان وتحميله تداعيات
حين يصبح السودان ساحة لتحالفين – سنّي بخليجه وشيعي بإيران – فإن السودان غالبًا ما يتحمل تكاليف هذه اللعبة.
على سبيل المثال، عودة إيران تدريجيًا للعب في السودان خلال الحرب الأهلية (2023–) تشير إلى أن السودان قد يُستخدم كجزء من صراع إقليمي أكبر.
4. الإسلاميون في السودان: وهم القوة الحقيقية؟
تقدير الواقع
الإسلاميون في السودان لديهم إرث كبير، لكنهم اليوم أضعف من أن يملؤوا الفراغ السياسي أو العسكري بمفردهم.
من جهة، الجيش السوداني منقسم، والمشهد السياسي ملتبس بشدة، والشعب بات أكثر وعياً ومطالَبة بحقوقه.
التقييم الذاتي الزائف
هناك تصور لدى بعضهم أنهم إذا ما حازوا على دعم خارجي (من إيران مثلاً) فإنهم يستطيعون “ليّ ذراع” دول المنطقة. لكن الواقع أن دول المنطقة لن تتوقف عن حماية مصالحها ولو على حساب السودان.
إذن، سلوكهم لا يُعد استراتيجية مستقلة، بل محاولة تأجيل النهاية المحتومة لمشروعهم السياسي.
5. ثمن المواطن السوداني: من يدفع الفاتورة؟
عبر التاريخ ضرب المواطن
الأمثلة كثيرة: الأزمات الاقتصادية، الحروب، الانقسامات الداخلية، جميعها جاءت وتحمّلتها الجماهير وليس النخب السياسية.
التحالف مع إيران في الماضي أدى إلى عزلة عربية، عقوبات اقتصادية، دمار داخلي. مثال: بموجب تحليل أحد المصادر، التحالف مع إيران جلب للسودان “أكثر مما استفاد”.
ما هو الثمن اليوم؟
إعادة الانخراط مع إيران في وقت الحرب الأهلية السودانية (2023–) قد تؤدي إلى:
مزيد من التدخّل الخارجي في الشؤون السودانية.
احتمال فرض شروط علي السودان لتبادل التحالف — بدل أن يكون السودان يتحكّم.
تخويف شعبي: الخطاب يُستخدم لترويع المواطنين بأن “من ينتقد الإسلاميين هو عميل”، أو “من يرفض التحالف فهو ضد الدين” — وهذا يعيد أساليب القمع القديمة.
المواطن السوداني يصبح رهينة خططًا سياسية لا شفافية فيها، وقرارات ذات آثار عميقة على حياته اليومية: الأمن، الاقتصاد، التعليم، الحرية، وحتى الهوية.
6. الخلاصة التحذيرية
> السودان اليوم عند مفترق:
• أو يعيد بناء تحالفاته على أساس مصالح وطنية واضحة وشفافة، وليس عبر لعبة المراوغة بين محاور.
• أو يُترك أن يُستخدم كبقعة نفوذ في صراعات إقليمية ـ دولية، وتُحمّل الجماهير عبء هذه اللعبة.
فتح العلاقات مع إيران ليس مجرد قرار دبلوماسي بسيط، بل هو إشارة تحوّل استراتيجي: تجاه إيران، تجاه المحور القديم، تجاه دور الإسلاميين.
وهذا التحوّل — إذا لم يُدار بحذر وشفافية — قد يقود السودان إلى نتائج أسوأ مما عاشها في سنوات العزلة والتحالفات السابقة.
الآن، السؤال الوحيد:
هل يستطيع المواطن السوداني أن يُطالب بأن تكون تلك العلاقات في خدمته، أم سيجد نفسه مرة أخرى يدفع ثمن تحالفات النخب؟





