في اخطر عملية سرية علماء سودانيين ينقلون عينات وراثية لنباتات زراعية للقطب الشمالي ــ مدني :عبدالوهاب السنجك
بعانخي برس

مدني :عبدالوهاب السنجك
@ لمن يكن الامر سهلا غير نداء الوطن جعل اؤلئك يقدمون ارواحهم فداء له، لم يتوانوا ولم يبخلوا بمقدراتهم العلمية ولم يفكروا بان هذه مخاطرة قد تأتي بضياع مجهود استمر لسنوات عددية بل بحوث قد تضيع وتدمر..
هي الحرب والفوضي التي شردت ودمرت وخربت العديد من المرافق الحيوية الهامة،
ووسط أصوات الذخيرة والدانات اقسم اؤلئك بأجتياز المهمة وبسرية تامة علماء السودانيين، وضعوا الوطن من امامهم من دون غيره، خراطة هذه الارض لن نتركها تتغير فهي المغامرة التي لم تكن سياسية ولا عسكرية، بل هي إنقاذ بذور وراثية نادرة لها تاريخ بعيد،
حيث بدأ سباق مع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بنك الجينات الزراعي، أحد أهم المرافق البحثية في البلاد. بسرية تامةَ.
اخذنا طريقنا لهيئة البحوث الزراعية بودمدني.. كل شئ تحول وتغيير.. تدمير واضح وكبير علي يد المليشيا المتمردة التي تجهل اهمية المكان، نعم لقد سقطت ودمدني فلم تسقط همة الرجال،
@مابين تلك الاشجار ووحشة المكان كنا نتشوق للقاء د. علي زكريا بابكر اختصاصي الموارد الوراثية النباتية الزراعية مدير مركز الموارد الوراثية النباتية بهيئة البحوث الزراعية بودمدني ( بنك الجينات السوداني) لمعرفة كيف تم ذلك في ظل تلك الظروف الصعبة..
@ وجدنا منكبا علي اجهزة الحاسوب بعد ان رحب بنا ترحاب الاهل والاصدقاء.. خارج المبني.
وبصوت هادئ..يقول قد لا تتصوروا مدي الخراب والدمار الذي اصاب هيئة البحوث الزراعية علي ايدي المليشيا المتمردة الغاشمة، لدينا أكثر من( 17) ألف عينة من البذور، تشمل محاصيل رئيسية مثل الذرة الرفيعة والدخن والقمح والسمسم، وما ترونه ليس مجرد مبنى إداري، بل خزينة عظيمة للتراث الزراعي السوداني، وذاكرة بيئية لأجيال مزارعي السودان منذ سنوات مضت، مضيفا
لم نكن نتوقع أن تصل قوات الدعم السريع المتمردة لولاية الجزيرة ، ولكن عندما هاجموا ودمدني تحركنا اتجاها لمناطق امنة فكانت وجهتنا ولاية كردفان مدينة الابيض المركز الثاني للبحوث الزراعية.
وفي الابيض وضعنا كل الاحتمالات من امامنا حيث ان الحرب لا تعرف الصواب من الخطأ فهي الذخيرة والمدافع ، فلم نجد اي احتمال لسلامة خزينة البنك الوراثي للنباتات بودمدني.
فلم يكن من امامنا من غير ايجاد طريقة للحفاظ ما تبقي من تلك العينات فلدينا نسخ مكررة من معظم العينات الأصلية فكان علي الفريق الاستعجال والتحرك بسرعة واتخاذ إجراءات استباقية حتي لايضيع ما لدينا من نسخ مكررة، فكان القرار المهم كيف استمرار التبريد اذ يجب تركيب نظام طاقة شمسية لضمان استمرار التبريد في ثلاجات حفظ البذور، والعمل علي تصنيف وتجهيز شحنة طارئة تحتوي على أكثر من (2000) عينة بذور لنقلها إلى قبو سفالبارد العالمي للبذور في أقصى شمال الكرة الأرضية.
اين وكيف ذلك؟
يقول زكريا وبنبرة حزينة..
نعم قبو سفالبارد، الذي يقع على جزيرة نرويجية في القطب الشمالي، صمم ليكون “بوليصة تأمين” عالمية ضد الكوارث البيئية أو الحروب. يتم تخزين البذور فيه على درجات حرارة تصل إلى (-18) مئوية تحت الصفر داخل جبل من الصخور الصلبة، ويمكن لبنوك العالم حفظ نسخ احتياطية من الجينات الوراثية الزراعية هناك دون فقدان الملكية.
كيف تم لكم ذلك؟
كل ذلك للحافظ على كمية من البذور خارج السودان. فهي عينات وراثية زراعية لا تخصنا وحدنا، بل تخص العالم باثره فيجب الحفاظ عليها من اي ضرر اوتلف
.. ثم ماذا؟
عملية نقل تلك العينات لم تكن سهلة فهي محفوفة بالمخاطر فمدينة الابيض كانت محاصرة في بعض المناطق من قبل المليشيا المتمردة فلابد من البحث عن طريقة نحافظ بها علي الارواح وهذه العينات اذ كانت الطرق المؤدية إلى مدينة بورتسودان
خاضعة لنقاط ارتكازات مشددة.
مما دفع الفريق بالتفكير طويلا وتوصل، علي وضع البذور داخل صناديق مخبأة علي متن شاحنة تجارية صغيرة حتي لايتم اكتشافها، وبحمد لله وصلت بسلام بورتسودان فكان الفريق يتابع الرحلة بحذر وتكتم شديدين
فكانت رحلة شاقة حيث انها لم تسلك الطريق المعروف.
.. قلنا له ابواب الحديث مشرعة لكم.
يقول زكريا ببورسودان تولى بريد السودان مهمة نقلها إلى النرويج، بدعم من منظمة (Crop Trust) وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على الحفاظ على التنوع الجيني للمحاصيل عالميًا. اذ كان بريد السودان يعمل جزئيًا فكان وصول الشحنة للموقع(سفالبارد
بعد ان مرت (الشحنة) البذور بمركز (NordGen) في السويد، فتم فرزها وفهرستها وإعدادها للتخزين طويل الأمد.
يضيف زكريا لقد وصلت العينات السودانية لقبو سفالبارد بجهد العلماء سودانين خلص فهو الان
إرث عمره آلاف السنين مؤمّن في جليد القطب الشمالي للكرة الارضية
فالعينات التي تم حفظها شملت أصنافًا من المحاصيل التي عرفتها المجتمعات الزراعية السودانية منذ آلاف السنين، أبرزها الدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة، وهما من المحاصيل المقاومة للجفاف وتعد ركيزة للأمن الغذائي في مناطق واسعة من إفريقيا. فهي من أقدم المحاصيل التي عرفها الإنسان في وادي النيل.
فتخزينها يعني أن السودان، رغم الدمار الذي حصل، لم يفقد العينات الوراثية الزراعية بالكامل فهي الان محفوظة تماما.
.
.. العودة لودمدني ومركز الموارد الوراثية؟
فهي الكارثة بحق وحقيقة لقد فقدنا كل شئ نهب، (٣٠) ثلاجة عاملة و(٥) جديدة، خربوا ودمروا اجهزة الحاسوب، مزقوا أكياس البذور، وضعوها داخل جولات بلاستيكية تحت حرارة الشمس.
مضيفا لقد وجدنا جزءا من (١٧) الف عينة ولم نفقد كل العينات بالكامل ونعمل الان علي تصنيفها وفهرستها لتحديد الكمية المفقودة التي تدمرت فهو عمل بحثي استمر لسنوات طويلة،
قائلا
“غير انه لو استمر الحال هكذا سوف نفقد الثراث الزراعي السوداني فيجب علي الجهات الرسمية الاسراع بمدنا بمصدر ثابت للكهرباء ومنظومة للطاقة الشمسية للوصول لدرجة تبريد (١٨) تحت الصفر لنحافظ علي هذا الارث الزراعي الهام…
.. نعم انها لاخطر عملية سرية لعلماء سودانيين ينقلون عينات وراثية زراعية للقطب الشمالي المتجمد في اقصي الكرة الارضية لتخرينها تحت صخور قبو سالبارد..