راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ تأثير التعليم في التغيير والتعافي في السودان ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

 

يمر السودان اليوم بلحظة تاريخية حرجة، تفرضها ظروف الصراع الراهنة، وتستوجب منا التفكير العميق في كيفية تجاوز هذه المرحلة والانتقال إلى مرحلة التعافي وإعادة الإعمار. وفي خضم هذا التحدي، يبرز التعليم، وخاصة التعليم الجامعي، كأداة حاسمة ليس فقط لإعادة بناء ما تهدم، بل لخلق مجتمع جديد قادر على مواجهة المستقبل. لقد أظهرت تجارب الطلاب الأخيرة في تنظيف جامعاتهم بالخرطوم، رغم الصعوبات، أن الشباب السوداني يمتلك وعيًا عميقًا بأهمية دوره في المجتمع، وأن الجامعات ليست مجرد مبانٍ، بل هي قلب التغيير النابض.
إن التنمية المستدامة في السودان ليست مجرد شعار، بل هي خارطة طريق للخروج من الأزمة. هذه التنمية لا يمكن أن تتحقق دون إحداث تحول جذري في طريقة تفكيرنا، وهذا التحول يبدأ من الفصول الدراسية والمختبرات الجامعية. إن الجامعات السودانية، بتاريخها العريق ومكانتها المرموقة، هي ركيزة أساسية لتحقيق هذا الحلم. فمن خلالها، يمكن تخريج أجيال مسلحة بالعلم والمعرفة والوعي، قادرة على تحمل مسؤولية بناء وطنها.
تعتبر الجامعات، في أي مجتمع، منارات للتنوير وورش عمل للتغيير. في السودان، يجب أن تستعيد الجامعات دورها هذا، وأن تصبح أكثر من مجرد مؤسسات أكاديمية. ينبغي أن تتحول إلى مراكز بحث وتطوير، قادرة على تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه البلاد. من خلال أبحاثها، يمكن للجامعات أن تساعد في إيجاد حلول لمشكلات الزراعة والري، وتطوير قطاع الطاقة المتجددة، وتحسين الرعاية الصحية. إن ربط مخرجات التعليم الجامعي باحتياجات سوق العمل والتنمية المستدامة هو أمر لا غنى عنه.
وهذا يتطلب إعادة النظر في المناهج الدراسية، لتصبح أكثر مرونة وتواكب المستجدات العالمية. على الجامعات أن تركز على تعزيز مهارات التفكير النقدي، والقدرة على حل المشكلات، والعمل الجماعي. إن هذه المهارات هي التي ستساعد الشباب على ابتكار مشاريعهم الخاصة، والمساهمة في الاقتصاد الوطني، بدلاً من مجرد انتظار الوظيفة الحكومية. يجب أن تشجع الجامعات على ريادة الأعمال، وتقديم الدعم للطلاب الذين لديهم أفكار لمشاريع يمكن أن تساهم في التنمية.
إن ما فعله بعض الطلاب في الخرطوم من تنظيف لجامعاتهم هو رسالة قوية لنا جميعًا. إنها دعوة للعودة إلى الحياة الطبيعية، وشهادة على حبهم لوطنهم. إن هذه الجهود الفردية يجب أن تتحول إلى حركة جماعية، تدفع باتجاه عودة جميع الجامعات إلى السودان. يجب أن تعمل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص معًا لتوفير البيئة الآمنة والمناسبة لاستئناف الدراسة.
عودة الجامعات لا تعني فقط استئناف المحاضرات، بل تعني عودة الروح إلى المجتمع. فالحياة الجامعية لا تقتصر على الدروس الأكاديمية، بل تشمل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، التي تساهم في بناء شخصية الطالب وتنمي قدراته القيادية. إن هذه الأنشطة هي التي تخلق الروابط الاجتماعية، وتعزز قيم التسامح والتعايش، وهي قيم ضرورية في مرحلة ما بعد الصراع.
لذلك، يجب أن تكون عودة الجامعات أولوية قصوى في خطط التعافي وإعادة الإعمار. يجب تقديم التسهيلات اللازمة للطلاب الجدد، بما في ذلك تبسيط إجراءات القبول، وتقديم المنح الدراسية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي. إن الشباب الذين عانوا من ويلات الحرب يحتاجون إلى كل الدعم الممكن لمواصلة تعليمهم وتحقيق أحلامهم.
إن التعليم ليس مجرد وسيلة لتحقيق التقدم الاقتصادي، بل هو أداة فعالة لتحقيق السلام والتعايش. من خلال التعليم، يمكن للأجيال الجديدة أن تتعلم عن تاريخها وحضارتها، وأن تفهم التنوع الثقافي في السودان، وأن تحترم الاختلاف. إن المناهج الدراسية التي تعزز قيم المواطنة المشتركة، ونبذ خطاب الكراهية، وتدعو إلى الحوار، هي حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك.
يجب على الجامعات أن تكون مساحة حرة للنقاش والحوار، حيث يمكن للطلاب من مختلف الخلفيات الفكرية والثقافية أن يتفاعلوا ويتعاونوا. إن هذه التفاعلات هي التي ستبني جسور الثقة والتفاهم، و تساعد في تجاوز الانقسامات التي خلفتها الحرب.
إن التعليم، وخاصة التعليم الجامعي، هو مفتاح المستقبل في السودان. إن ما يقوم به الطلاب من مبادرات في الخرطوم، هو دعوة لنا جميعًا للعمل من أجل عودة الحياة الجامعية، وتوفير البيئة المناسبة للتعليم. إن عودة الجامعات ليست فقط استئنافًا للدراسة، بل هي استثمار في مستقبل الأجيال القادمة، وفي بناء سودان جديد، مستقر ومزدهر.
إن إعادة إعمار السودان ليست مهمة سهلة، ولكنها ممكنة إذا ما تكاتفنا جميعًا، ووضعنا التعليم في صدارة أولوياتنا. علينا أن نؤمن بأن الشباب السوداني هو القوة الدافعة للتغيير، وأن الجامعات هي المصنع الذي سيخرج هذه القوة إلى النور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى