راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ اليوم الأفريقي لمكافحة الفساد: ضرورة وجودية للسودان الجديد ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

يحتفل الاتحاد الأفريقي في الحادي عشر من يوليو من كل عام باليوم الأفريقي لمكافحة الفساد، وهو مناسبة للتفكير والحوار حول استراتيجيات وآليات تعزيز الشفافية ومكافحة هذه الآفة التي تعيق التنمية والتقدم في القارة. وبينما نحتفل هذا العام النسخة التاسعة من هذا اليوم الهام، تبرز الحاجة الملحة إلى التركيز على دور السودان في هذه المعركة، خاصةً في مرحلة ما بعد الحرب التي تمر بها البلاد. إن مكافحة الفساد في السودان ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة وجودية لبناء مستقبل مستقر ومزدهر.
لقد أدرك السودان، كجزء لا يتجزأ من القارة الأفريقية، أهمية تفعيل المبادرات الدولية والإقليمية في مجال منع ومكافحة الفساد. وتسعى البلاد جاهدة لتوحيد الرؤى وتنفيذ الاتفاقيات والاستراتيجيات الرامية إلى محاصرة هذه الآفة. وقد أظهر السودان التزامه بالمساهمة في الجهود القارية من خلال مشاركته الفاعلة في إعداد استراتيجية اتحاد هيئات مكافحة الفساد الأفريقية، وتدريب العديد من الكوادر العاملة بأجهزة مكافحة الفساد وإنفاذ القانون على آليات المنع والمكافحة والتوعية المجتمعية. هذه الجهود تعكس وعيًا متزايدًا بأن مكافحة الفساد تتطلب تعاونًا دوليًا وتبادلًا للخبرات.
بعد سنوات من الصراعات، يجد السودان نفسه أمام فرصة فريدة لإعادة بناء دولته ومؤسساته. وتتحمل “حكومة الأمل” التي يتبناها رئيس الوزراء كامل إدريس مسؤولية تاريخية لضمان أن يكون هذا المسار الجديد خالياً من آفة الفساد. يتطلب ذلك ليس فقط سن القوانين وتفعيل الأجهزة الرقابية، بل يتعدى ذلك إلى غرس ثقافة الشفافية والمساءلة في كل مفاصل الدولة والمجتمع. على هذه الحكومة أن تكون حذرة وأن تراجع مسارها باستمرار لضمان عدم تسلل الفساد إلى هياكلها، خاصة في ظل التحديات الهائلة التي تواجهها البلاد في مرحلة التعافي.
إن الأمل في مستقبل أفضل للسودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى نجاح الحكومة في بناء نظام سياسي واقتصادي لا يتسامح مع الفساد. يجب أن تكون مكافحة الفساد في صميم أولويات الحكومة الجديدة، مع التركيز على تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال الكشف عن المعلومات المتعلقة بالمشاريع الحكومية، وعقود الشراء، والميزانيات العامة، تقوية المؤسسات الرقابية بما يضمن استقلاليتها وفعاليتها في كشف ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل دور المجتمع المدني في مراقبة الأداء الحكومي والتبليغ عن أي شبهات فساد، وإصلاح القضاء لضمان سرعة وفعالية محاكمة قضايا الفساد، بجانب رفع الوعي المجتمعي بأضرار الفساد ودوره في تعطيل التنمية وحرمان المواطنين من حقوقهم.
إن الفساد ليس مجرد جريمة اقتصادية؛ إنه يقوض الثقة في المؤسسات، ويعيق الاستثمار، ويزيد من الفقر وعدم المساواة. في السودان ما بعد الحرب، حيث الحاجة ماسة إلى إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية، يمكن للفساد أن يلتهم الموارد الشحيحة ويقضي على أي أمل في التعافي. لذا، فإن مكافحة الفساد هي حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار السياسي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وضمان العدالة الاجتماعية.
لضمان عدم تسلل الفساد إلى جهود إعادة الإعمار الحيوية في السودان، يجب اتخاذ خطوات ملموسة وفعالة. إليك أبرزها الشفافية الكاملة والمحاسبة الصارمة بإنشاء قاعدة بيانات مركزية ومفتوحة، فيجب توفير منصة إلكترونية شفافة تدرج جميع مشاريع إعادة الإعمار، تفاصيل الميزانيات المخصصة لكل مشروع، مصادر التمويل، والجهات المنفذة. يجب أن تكون هذه المعلومات متاحة للجمهور بشكل كامل وسهل الوصول.
فرض الشفافية المطلقة في جميع مراحل التعاقد، من الإعلان عن المناقصات إلى اختيار المقاولين وتوقيع العقود. يجب أن تكون جميع المناقصات علنية وتخضع لإجراءات تنافسية صارمة، مع نشر نتائجها بشكل فوري، وإنشاء قنوات آمنة وسرية للمواطنين والموظفين للتبليغ عن أي شبهات فساد أو مخالفات، مع توفير حماية قانونية صارمة للمبلغين لحمايتهم من أي أعمال انتقامية.
تعزيز المؤسسات الرقابية والقانونية باستقلالية هيئات مكافحة الفساد لضمان استقلالية تامة لهيئات مكافحة الفساد والأجهزة الرقابية، بحيث تكون بعيدة عن أي تدخل سياسي أو تنفيذي. يجب تزويدها بالصلاحيات والموارد الكافية للتحقيق والملاحقة القضائية، وإصلاح شامل للنظام القضائي لضمان سرعة وفعالية البت في قضايا الفساد. يتطلب ذلك تدريب القضاة والمدعين العامين على الجرائم المالية المعقدة وقوانين مكافحة الفساد الدولية، وتفعيل قوانين الإثراء غير المشروع وتطبيق صارم لقوانين تجرم الإثراء غير المشروع، ومطالبة المسؤولين الحكوميين والموظفين العامين بالإفصاح عن ذممهم المالية ومصادر ثرواتهم بشكل دوري.
دعوة منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية ذات الخبرة في مكافحة الفساد للمشاركة في مراقبة مشاريع إعادة الإعمار وتقييمها. يمكن أن تلعب هذه المنظمات دورًا حيويًا في الرقابة الشعبية وكشف التجاوزات، والتعاون مع الشركاء الدوليين بتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، البنك الدولي، ومنظمات مكافحة الفساد العالمية لتبادل الخبرات والدعم الفني، وضمان التزام جهود إعادة الإعمار بالمعايير الدولية للشفافية ومكافحة الفساد.
إطلاق حملات توعية مكثفة للمجتمع السوداني حول مخاطر الفساد وأهمية مكافحته في بناء مستقبل أفضل للبلاد. يجب أن تهدف هذه الحملات إلى غرس ثقافة رفض الفساد وتشجيع المواطنين على المشاركة في الرقابة والإبلاغ.
التحول الكامل والمتسارع نحو المدفوعات الإلكترونية في جميع المعاملات الحكومية للحد من التعامل النقدي الذي يعد بيئة خصبة للفساد. كما أن التحول الرقمي للخدمات الحكومية يقلل من الاحتكاك المباشر بين الموظف والمواطن، مما يحد من فرص الرشوة، بجانب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة للكشف عن الأنماط المشبوهة والاحتيال في العقود والمناقصات والإنفاق العام، مما يمكن أن يساعد في تحديد المخاطر المحتملة للفساد مبكراً.
إن تنفيذ هذه الخطوات يتطلب إرادة سياسية قوية وتفانيًا لا يتزعزع من قبل حكومة الأمل. فمكافحة الفساد في مرحلة إعادة الإعمار ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي استثمار في مستقبل السودان ومصداقية الدولة أمام مواطنيها والمجتمع الدولي.
إن اليوم الأفريقي لمكافحة الفساد يمثل تذكيراً قوياً للسودان بأن المعركة ضد هذه الآفة هي معركة مستمرة وتتطلب إرادة سياسية قوية، وتضافر جهود كافة الأطراف. على حكومة الأمل أن تثبت للعالم ولشعبها أنها جادة في بناء سودان جديد خالٍ من الفساد، سودان يستطيع أن يحقق تطلعات شعبه في السلام والازدهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى