راي

إن فوكس ــ  نجيب عبدالرحيم najeebwm@hotmail.com ــ السودان بين جراح الحرب وأمل الإعمار .. مدخل إلى الرؤية المستقبلية! (1) ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

لم يكن السودانيون يتوقعون في قلب وطنهم أن تدور مرة أخرى رحى حرب عبثية مدمرة حارقة وعشوائية الأثر دون الاعتبار لأي قيم أخلاقية أو قانونية أو مهنية ، لكن ها هي البلاد تتهاوى تحت وطأة صراع دموي وحشي امتد في كل الاتجاهات، مزق النسيج الاجتماعي، دمّر البنية التحتية، وشرّد وأفقر الملايين داخل الوطن وخارجه. ورغم هذا الألم الذي يبدو وكأنه بلا نهاية، يظل السؤال الأهم معلقًا في الأذهان: كيف يمكن أن نعيد بناء السودان من جديد ليس فقط في العمران والاقتصاد، بل في الروح، والعقل، والنظام السياسي والاجتماعي؟ كيف ننتقل من مناخ الدمار والخذلان إلى مشروع وطني جامع يؤسس لمستقبل مختلف، يليق بشعب عانى طويلاً من مجازر بالطائرات والمسيرات والبراميل المتفجرة، رغم كل شيء حلمه في وطن حر وعادل وآمن رغم سنوات مضت تم فيها ارتكاب مجازر بالطائرات والمسيرات والبراميل المتفجرة التي أودـت بحياة الآلاف من المواطنين العزل وتدمير المستشفيات والمدارس والبنية التحتية ، ولم يتغير أي شيء على الأرض طالما طرفي الصراع مستمرين في القتال بعيداً عن منبر التفاوض الذي تأثر بحجم القوة على الأرض.
إن الإعمار الذي ننشده لا يقتصر على بناء ما تهدم من منشآت ومرافق، ولا يمكن اختزاله في إسمنت وحديد، بل هو مشروع حضاري شامل يعيد تشكيل الدولة والمجتمع معًا على أسس جديدة، تقوم على العدالة والمواطنة والكرامة الإنسانية والتنمية المتوازنة وبناء مؤسسة عسكرية وطنية محترفة. إنه فعل تاريخي يتطلب وعي متجدداً، ورؤية عميقة، واستعدادًا جماعيًا لتحمل المسؤولية، لا مجرد إدارة لما بعد الحرب.
نكتب هذه السلسلة في لحظة مفصلية، من منطلق قناعة راسخة بأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع بالإرادة والوعي والعمل. لم تعد المسألة ترفًا فكرياً أو طموحاً نخبوياً، بل ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل. لا يجوز أن نترك مهمة إعادة الإعمار في يد أطراف ما زالت تقيس الأمور بمنطق الغلبة والمصالح الضيقة، أو لم تستوعب بعد دروس الحرب ومآسيها. علينا، كمواطنين ومفكرين وفاعلين، أن نسهم في بلورة رؤية نقدية بناءة، تستند إلى تحليل الواقع، واستخلاص الدروس، واستلهام التجارب الناجحة، وتقديم أفكار عملية قابلة للتطبيق.
سنطرح عبر هذه السلسلة عدداً من القضايا المحورية، التي نراها ضرورية لبناء سودان جديد يستفيد من مآسيه بدل أن يعيد إنتاجها. سنبدأ بالتعافي الاجتماعي والمصالحة الوطنية، ونتساءل كيف نعيد ترميم العلاقات بين مكونات الشعب بعد ما أصابها من شروخ عميقة. ثم ننتقل إلى العدالة الانتقالية، ونتناول التحدي المزدوج في الجمع بين المحاسبة والمصالحة، والبحث عن نموذج سوداني عادل وفعال لا يكرر أخطاء الماضي. ثم نطرح ملف التنمية المتوازنة، ونسائل أنفسنا كيف نعيد توزيع الموارد والفرص بما يصحح اختلالات الماضي ويحقق عدالة مستدامة. ونتناول بعد ذلك ضرورة إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية التي أصبحت مزاد للمليشيات ( الخلوية ) وخارج إطار المعايير العسكرية التي لا تتوافق مع القواعد واللوائح والتقاليد العسكرية المعروفة ولذا نريد أن تكون أدوات لحماية الوطن لا أدوات لحماية السلطة، وتعبيراً عن إرادة الأمة لا سلاحا في يد فئة بعينها. كما نولي اهتماماً خاصًا بدور السودانيين في الشتات، ونسعى لتسليط الضوء على طاقاتهم وخبراتهم وكيفية توظيفها في عملية البناء، إلى جانب الدور المنتظر من المجتمع الدولي في دعم هذا المسار. وسنختتم برؤية متكاملة تؤطر لمستقبل البلاد، وتقدم مقترحًا واقعيًا لمبادئ وركائز سودان جديد.
هذه السلسلة ليست مجرد مقالات تحليلية، بل هي دعوة صادقة لحوار وطني واسع وعميق، يشارك فيه الجميع دون إقصاء. دعوة لكل من يؤمن بأن هذا الوطن يستحق مستقبلًا أفضل، لكل من يرى في جراحه التي لم تتوقف من النزيف دافعًا لبنائه لا ذريعة لهدمه، ولكل من يرفض الاستسلام للخراب ويؤمن أن الأمل لا يزال ممكنًا. السودان الذي نحلم به يبدأ من هنا، من الكلمة الصادقة، ومن الرؤية الواضحة، ومن الإرادة الجماعية التي تضع الوطن فوق الحسابات الضيقة، وتكتب تاريخه القادم بضمير حيّ لا يرتجف أمام التضحيات ولا يساوم على المبادئ.
الديمقراطية لن تأتي بالبندقية مهما حدث ويحدث الآن من فوضى هدامة واحتقان وعنف وتصفية حسابات وفوضى السلاح فاقمت الأزمة السودانية .. الحوار الوطني غائب والاستقطاب المتزايد يخدم مشاريع تقسيم ويعطل الحلول السياسية الحقيقية.
..لا تنسوا ألحان الديسمبريون ( الأسود غير المروضة ).. السلطة سلطة شعب .. الثورة ثورة شعب .. العسكر للثكنات والجنجويد ينحل..
لا للحرب .. لا وألف لا.. المجد والخلود للشهداء
لك الله يا وطني فغداً ستشرق شمسك
نواصل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى