راي

شئ للوطن ــ م.صلاح غريبة – مصر Ghariba2013@gmail.com ــ قمة بغداد: السودان في القلب وتطلعات التكامل الاقتصادي ــ بعانخي برس

بعانخي برس

 

 

 

تحتضن العاصمة العراقية بغداد يوم السبت فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمؤتمر القمة العربية، في لحظة إقليمية ودولية بالغة التعقيد. وبينما تتشابك الملفات وتتداخل الأولويات، يبرز الملف السوداني كقضية ملحة تستدعي تضافر الجهود العربية لوقف نزيف الدم وتحقيق السلام المستدام. إلى جانب ذلك، يمثل تعزيز التكامل الاقتصادي العربي ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التنمية الشاملة، ويحمل السودان، بما يمتلكه من إمكانات وموقع استراتيجي، دورًا محوريًا في هذا المسعى.
إن الأزمة السودانية الراهنة، والتي دخلت للأسف عامها الثالث، تمثل جرحًا غائرًا في جسد الأمة العربية. مشاهد القتل والنزوح والدمار، والتهديدات التي تمس وحدة البلاد وسلامة أراضيها، تستوجب تحركًا عربيًا فاعلًا وموحدًا. إن مجرد إدانة العنف والدعوة إلى وقف إطلاق النار لم تعد كافية. المطلوب اليوم هو تبني مبادرة عربية جادة، ربما تحت مظلة الجامعة العربية وبالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، تهدف إلى تحقيق وقف فوري ودائم للقتال، وإطلاق حوار سياسي شامل يضم كافة القوى السودانية، وصولًا إلى حل سلمي مستدام يحفظ للسودان وحدته واستقراره وسلامة شعبه.
إن السلام في السودان ليس مجرد أمنية، بل هو ضرورة قصوى للأمن الإقليمي برمته. فاستمرار الصراع يهدد بتوسع دائرة العنف وعدم الاستقرار إلى دول الجوار، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية تزيد من تعقيد المشهد وتعمق الانقسام. لذا، يجب أن تكون مبادرة السلام العربية مبنية على رؤية واضحة تأخذ في الاعتبار جذور الأزمة وتعالجها بشكل شامل، مع التأكيد على ملكية السودانيين لعملية الحل السياسي ورفض أي إملاءات خارجية.
وبالتوازي مع جهود وقف الحرب، يجب أن تضع القمة العربية في بغداد تصورًا واضحًا لجهود إعمار وتنمية السودان ما بعد النزاع. إن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والمؤسسات، فضلًا عن التحديات الإنسانية والاقتصادية الكبيرة، يتطلب خطة عربية متكاملة وطويلة الأمد. يجب أن تشمل هذه الخطة تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، والمساهمة في إعادة بناء ما دمرته الحرب، ودعم جهود التنمية المستدامة التي تضمن تحقيق الاستقرار والازدهار للشعب السوداني.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري للتكامل الاقتصادي العربي. إن السودان، بما يمتلكه من موارد طبيعية متنوعة وأراض زراعية خصبة وموقع استراتيجي يربط شمال أفريقيا وشرقها ووسطها، يمكن أن يلعب دورًا حيويًا في تعزيز التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق الأمن الغذائي الإقليمي. إن إعادة إعمار وتنمية السودان يجب أن تتم في إطار رؤية أوسع للتكامل الاقتصادي العربي، تستثمر في إمكانات السودان ودمجه في المشاريع الاقتصادية الإقليمية المشتركة.
إن تعزيز التجارة البينية والاستثمارات المشتركة وتطوير البنية التحتية العابرة للحدود، كلها خطوات يمكن أن تساهم في تحقيق التنمية المستدامة في السودان وتعزيز الروابط الاقتصادية بين الدول العربية. إن استقرار السودان وازدهاره يمثل قوة دفع إضافية للاقتصاد العربي المشترك، ويساهم في بناء منطقة عربية أكثر قوة وتماسكًا وقدرة على مواجهة التحديات العالمية.
ختامًا، إن قمة بغداد تحمل على عاتقها مسؤولية تاريخية تجاه السودان وشعبه. إنها فرصة حقيقية للدول العربية لكي تثبت وحدتها وتضامنها وقدرتها على تجاوز الخلافات والعمل المشترك من أجل مصلحة الأمة. إن تحقيق السلام في السودان وإطلاق مسار التنمية الشاملة فيه، في إطار من التكامل الاقتصادي العربي، ليس مجرد واجب إنساني وأخوي، بل هو ضرورة استراتيجية لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في منطقتنا العربية بأسرها. إن الأنظار تتجه نحو بغداد، والآمال معلقة على مخرجات هذه القمة الحاسمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى