مدخل :–
(شكرا أمي لأنك ارضعتيني لغتي و أورثتيني مجدا و شموخا و كبرياء، منك تعلمت اللغة ليست مجرد مفردات ! اللغة هي أيقونة التاريخ و مخزون القيم النبيلة الساطعة ؛ منك تعلمت أن اللغة ببساطة تعني الحياة ؛ لأن اللغة هي أنت ، أنت كل الحياة ؛ تجليات البداية و توهج النهاية ،)
مرة أخرى سأسرج خيول الضياء و أتلمس طريقي نحو مدائن المجد حيث طفولة التاريخ و عتبات ميلاد الحكايات و الحضارة الباذخة رمال الصحراء و ذاكرة الغابات البكر ؛ الصحراء حيث ميلاد اللغة ( لغة الكانمبو ) عنوان هويتي ؛ الغابات حيث هاجرت اللغة و استقرت على شواطئ البحيرة ، بحيرة تشاد قبل أن تهاجر هجرتها الكبرى نحو الشرق في تسفار مقدس حيث يولد الشمس ، الشرق يمثل حقيقة الحقائق بالنسبة للأفارقة المسلمين.
هذه المرة سأعود إلى أعماق لغتي الأم ، المناسبة هي اليوم العالمي للغة الأم الذي يحتفل به سنويا في كل أنحاء العالم ، هي بالنسبة لي الرجوع إلى ذاكرة الحكايات المحتشدة بثراء المكان و جماليات الزمان ، لغة الكانمبو بالنسبة لي هي المشيمة التي تربطني بتاريخي التليد و تمثل لي قوة دفع نحو حاضر مشرق
.
ما هي لغة الكانمبو ؟
لغة الكانمبو تعتبر من أقدام اللغات
الإنسانية هناك من العلماء من يؤكد أنها موجودة منذ أكثر من 8 ألف عام ، تنتمى إلى مجموعة اللغات النيلية الصحراوية التي تضم أكثر من مائة لغة منها لغة الفاديجا ، الاندادي ( لغة الدناقلة ) لغات مجموعة الاجانغ الكاركو ، الكجورية، الكدرو، الدلنج،(في جبال نوبة ) و لغة الميدوب في دارفور و لغة المحس في شمال السودان ؛ كلها تدرج تحت اسم اللغات النوبية،
الجدير بالذكر أن مجموعة اللغات النيلية الصحراوية تنتشر بشكل أساسي في شمال السودان و غربه و مناطق النيل الأزرق و مناطق شرق تشاد ( لغة التاما و لغة البرقو ) هذه اللغات سالفة الذكر تمثل الفرع النيلي للمجموعة أما الفرع الصحراوي يضم لغة الكانمبو ( الكانورية ) ، لغة الزغاوا ، لغة التوبو ( تيداغا) ،داغارا ( القرعان ) و لغة السنغاي ، نجد أن هناك قرابة لغوية عميقة بين لغات الفرع الصحراوي خاصة في القواعد و تراكيب اللغوية ، تصنف لغة الكانمبو بأنها من لغات الفاعل ، المفعول به ، الفاعل ، على العكس من اللغة العربية التي تصنف بأنها لغة الفعل ، الفاعل ، المفعول به ؛ مثلا: في اللغة العربية نركب الجملة هكذا أكل الولد الطعام ؛ بدأنا بالفعل ثم الفاعل ثم المفعول به ، أما في لغة الكانمبو تركب الجملة هكذا : تاداي بري غوفوه، ترجمته حرفيا ( الولد الطعام أكل ) .
تتفرع لغة الكانمبو لقرابة 15 لهجة تنقسم لمجموعتين، مجموعة لهجات كانمبو هي 6 لهجات رئيسية تنتشر بصورة رئيسية حول الضفة الشرقية لبحيرة تشاد في أقاليم كانم، لاك، حجر لميس ، لهجات يرنو التي تعرف بالكانورية تنتشر في ولايتي برنو و يوبي بنيجيريا ، و هناك لهجات مجموعة التماغرا و المانغا التي تنتشر في النيجر ، يطلق شعب الكانمبو على لغتهم اسم ( ندلم كانمبو ) ترجمتها حرفيا لسان الكانمبو ،و هي لغة غنية بالمفردات و تعتبر لغة شعر و أدب راقي .
الموطن الأول للغة الكانمبو :—
الموطن الأول للغة الكانمبو هو جنوب ليبيا في إقليم فزان ثم انتشرت على تخوم الصحراء الكبرى قبل أن تهاجر إلي إقليم حوض بحيرة تشاد حيث استقرت على الشواطئ الشرقية للبحيرة قبل أن تهاجر إلى الضفاف الغربية حيث إقليم برنو و يعرف بالكانورية .
الجدير بالإشارة أن هناك عدد قليل من السكان يتحدثون لغة الكانمبو في موطنهم الأول في إقليم فزان و في الواحات الشمالية في الصحراء الكبرى بصفة خاصة واحة ( بلما ) و (القاشي ) و (أنشي با ) .
يتحدث لغة الكانمبو اليوم قرابة 15 مليون نسمة ينتشرون في تشاد ، نيجيريا ، النيجر ، السودان ، بعض الأجزاء من إقليم فزان ، المملكة العربية السعودية .
كتابة لغة الكانمبو :–
يمكننا اعتبار لغة الكانمبو بأنها أول لغة في إفريقيا جنوب الصحراء تم كتابتها ؛ تم العثور في واحة ( بلما ) على أقدم مخطوطة كتبت بلغة الكانمبو هي ترجمة للقرآن الكريم إلى لغة الكانمبو يعود عمر هذه المخطوطة لأكثر من ستة قرون ، الجدير بالذكر أن لغة الكانمبو كانت تكتب بالحرف العربي .
كما أن لغة الكانمبو حظيت باهتمام كبير من قبل الرحالة الغربيين حيث قاموا بكتابتها بالحرف اللأتيني ، حيث وضع العالم الألماني ( كول ) قواعد لغة الكانمبو ، استفاد منها المبشرون كثيرا حيث بدأ مشروع ترجمة الكتاب المقدس للغة الكانمبو .
شخصي له جهد بسيط في دعم مشروع كتابة لغة الكانمبو بالحرف العربي و نلت دورة متقدمة و مكثفة في برنامج كتابة اللغة بالحرف العربي ضمن برنامج الايسسكو بالتضامن مع جامعة إفريقيا العالمية .
لغة الكانمبو في السودان :—
اللغات مثل البشر في حالة هجرات مستمرة هذه الهجرات تضمن لها الانتشار ، لا يمكن تحديد تاريخ محدد لهجرة لغة الكانمبو ( ندلم كانمبو ) إلى السودان لأنها مرتبطة بهجرة الكانمبو نحو الأراضي المقدسة ( الحج ) و هذه الهجرات بالتأكيد قديمة و مؤثرة ، تنتشر لغة الكانمبو /الكانورية في أجزاء واسعة من السودان حيث المناطق التى ينتشر فيها الكانمبو و البرنو ، في شرق السودان ، الخرطوم ، المناقل، عطبرة ، الدويم، الكاملين، القضارف الأبيض ، نيالا .
من المؤسف أن لغة الكانمبو يواجه تحديات كبيرة تهددها بالفناء و الاندثار في السودان حيث بدأت أعداد المتحدثيين بها قتل بشكل كارثي تنذر بموتها خلال الخمسين عام القادم ! هذا بمثابة جرس إنذار مبكر يحتم علينا العمل بشكل جاد لحماية لغتنا من الموت لأن موت أي لغة تعني موت أمة و ضياع ثروة إنسانية لا تقدر بثمن .
مفردات بلغة الكانمبو داخل العامية السودانية :–
اللغات مثل الكائن البشري تتفاعل فيما بينها و تتأثر و تؤثر فيما بينها ، من الملاحظ أن لغة الكانمبو تربطها علاقات قرابة مع اللغة السومرية بالعراق ، كما لها علاقة قوية باللغة العربية ، من الأمور التي تثير الدهشة أن الضمائر في لغة الكانمبو هي نفسها في اللغة الصينية ! هذه المقطعة تحتاج لدراسة مستفيضة .
أما في السودان نجد أن الكانمبو تأثرت و أثرت في العامية السودانية و هناك مفردات في العامية تعود في جذورها للغة الكانمبو نذكر منها :
مايرم = أميرة
كالنكي = حدود ( هذا المفردة تستخدم في دارفور )
كيري هو الشيء غير القانوني ( ضبيحة كيري )
فاشر = ساحة السلطان ( فاشر مايا )
تمبل = النحاس و الطبول، يقال لصاحب الطبل تمبالي
فولة = فول بلغة الكانمبو ، هي بنفس المعنى يطلق على مكان تجمع المياه
الدمبلو = المؤخرة .
خلاصة الأمر أن لغة الكانمبو تمثل لنا أكسجين تبقينا على قيد الحياة و هي مصدر فخر لنا لذلك يجب أن نحافظ عليها لأن اللغة ساحة المواجهة في معركة صراع الحضارات .أركو كانمبون مانانيه؛ ترجمتها تعالوا نتحدث بلغة الكانمبو.