
صفحةمن
يوميات عابر على المعابر
: لعلها إيطالية
هكذا قلت لنفسي و قلبي يسبق عيني متأملا تلك الحسناء التي ( تقدل) أمامي في صالة الترانزيت بمطار روما في حركة بلا هدف تقطع الصالة أفقيا و رأسيا جيئة و ذهابا و لي مع كل خطوة نبضة .
تتبدل الوجوه بصالة الترانسيت ما بين قادم و مغادر و ثابت أنا وهي مثل ((س و ص)) في معادلة جبرية عصية على الحل . ولعلها لاحظت مراقبتي أو قصدت استهلاك بعض وقت الانتظار المقيت فاقتربت مني متسائلة :
: كم تبقى لطائرتك
و اللغة إنجليزية و لكن بلكنة لم أعتادها
: لست بريطانية أعتقد
قالت ضاحكة : ليست هذه إجابة سؤالي
و شاركتها الضحك
: أنت من الشرق الاوسط
: بل أنا أفريقي من دولة إسمها السودان و أنتي
قالت : أنا من كندا
تذكرت صديقي أحمد التجاني و قد كان شريكي في حلم موؤد بالهجرة إلى كندا و ما أكثر أحلامنا الموؤدة..
تخيلت للحظة أني قد رأيت صورتها في ذلك الكتيب الذي استعرناه من أحد الاصدقاء و كان عنوانه ( الدراسة في كندا ) كان كتابا مترفا بصور الطالبات البيض و الشقروات الجميلات الفاتنات و بعض السمراوات و عناوين الجامعات في ( اتوا ) و مونتريال ..
: كيف الحال ( مع ضحكة )
قالتها ثم أضافت بعد أن التفت اليها
: مرحبا بك على أرض الواقع .. أنا سيلين
: أنا مصطفى .. سعيد بمقابلتك
_هي بالتأكيد تريد بعض مرح تقتل به رتابة الانتظار ، لا بأس إذن _
أخرجت سيلين من حقيبتها مشغل كاسيت متناهي الصغر أكبر من حجم الشريط قليلا و سماعة أذن كانت كافية لاستدعاء الدهشة في منتصف الثمانينات وقت لقائنا .
قالت : هل تحب الموسيقى
الموسيقى .. لا أعلم أقلت هذا سرا أم جهرا ؟؟
كاسيت موسيقى بحتة ل فاستو بابيتي ، كاسيت لقعدة مميزة ، كاسيت ل محمد جبارة تسجيلا عن برنامج مطرب الجماهير و حفنة دولارات ..تلك هي (زوادتي) من طرف عمي الحبيب و قبل ذلك تعلق بالموسيقى و الغناء تعلمته و أنا في ضيافته لمدة شهر قبل سفري هذا .
: عد رجاءا
قالت سيلين
و أنتزعت نفسي عن ذكريات العباسية و محطة ( بت مسيمس ) ….
قلت لها : دمي مكون من موسيقى و بعض كريات و خلايا …
و كأنها لم تجد ردا سوى نظرة ما أدركت مغزاها نظرة محفزة استجمعت على أثرها كل ما أملك من شجاعة و بعض مما لا أملك أيضا .
جاء ردي بيانا بالعمل كما يقولون
يدي ترتجف قليلا إلا أني مددتها
نبضي يتسارع
وصلت يدي حقيبة ظهري تناولت كاسيت محمد جبارة
: سيلين إسمعي معي بعض غنانا
بدأ الشريط من حيث انقطع سماعي آخر مرة
مرة شافت في رؤاها
طيرة تأكل في جناها
حيطة تتمطى و تفلع
في قفا الزول البناها
…. لا أظن أن سيلين قد فهمت معنى الكلام
لكني رأيتها تبكي …
استجمعت نفسي علي أو علها
دنوت منها فكانت مثل عصفور ينتظر الزاد على العش
و مرة أخرى يقاطعني ذلك النداء الغبي
( النداء الأخير لركاب الرحلة 712 المتجهة إلى الدار البيضاء )