نقوش متنوعة ــ د.م كوثر باباي ــ الهجرة غير الشرعية… جراحٌ صامتة في جسد المجتمع(2) ــ بعانخي برس
بعانخي برس

د.م.كوثر باباى
*لا تزال الهجرة غير الشرعية واحدة من أكثر الظواهر إيلامًا في واقعنا المعاصر، فهي لا تُخلّف آثارًا إقتصادية وأمنية فحسب، بل تحمل في طيّاتها تداعيات إجتماعية عميقة تمتد إلى الأسرة والمجتمع والدولة على حدّ سواء. فخروج الشباب عبر طرق محفوفة بالمخاطر لا يعني مجرد مغادرة جغرافية، بل هو في جوهره فقدان لطاقة إنسانية كان يمكن أن تُسهم في بناء الوطن بدل أن تُهدر تحت رحمة البحار والمهربين.
*أول ما يظهر من أثر إجتماعي هو تفكك الأسرة؛ فالهجرة غير الشرعية كثيرًا ما تدفع الآباء أو الأبناء إلى الرحيل دون تخطيط حقيقي، فيترك ذلك فراغًا عاطفيًا ومعنويًا داخل الأسرة، وتتحمل الأمهات غالبًا عبء المسؤوليات كاملة، بينما يكبر الأطفال في ظل غياب أحد الوالدين، مما ينعكس على الإستقرار النفسي والسلوكي لهم.
*ويبرز كذلك أثر آخر لا يقل خطورة، يتمثل في تراجع الثقة في المجتمع والدولة. إذ يشعر الشباب بأن الفرص التي يستحقونها داخل بلدانهم غير متاحة، فيتجهون إلى مغامرات محفوفة بالخطر بحثًا عن واقع أفضل، مما يخلق فجوة بين طموحات الأفراد وقدرة المجتمع على الاحتواء. هذه الفجوة تُغذي مشاعر الإحباط وتُضعف الإنتماء ، وقد تُحوّل الهجرة إلى ثقافة متوارثة بدل أن تكون خيارًا عقلانيًا ومدروسًا.
*إضافة إلى ذلك، تفرز الهجرة غير الشرعية تحديات إجتماعية في دول الإستقبال ؛ فغياب الإقامة القانونية يجعل المهاجرين عرضة للاستغلال، ويخلق أحيانًا احتكاكات ثقافية تُؤثر على اندماجهم، كما يفتح الباب لتصاعد الخطاب العدائي ضد الأجانب.
*إن مواجهة الآثار الإجتماعية للهجرة غير الشرعية لا تتم فقط عبر الإجراءات الأمنية، بل تبدأ من خلق بيئة عادلة للفرص، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ودعم الشباب ببرامج تشغيل وتدريب تُعيد توجيه أحلامهم إلى أرض الوطن بدل شواطئ المجهول.





