الحديث عن مدني مثل الحديث عن قصص الأساطير والاحاجي والروايات العظيمة ،، بل هي أجمل رواية،، وسر حبها حكاية،،هي داري وهي دوحي،، عشت فيها بكل روحي،، أرتويت من زلالها ،، وأرتضيت فيها سهدي وجروحي،، تحيا في وجداننا ونحيا في ثراها،، هي ملهمتنا ونحن نهواها،، هي أمنا هي عشقنا هي نبضنا هي حلمنا ،،
اكتب عنها بقلبي قبل قلمي ،، سطوري تضيق بها صور البيان ويضيق شعري،،ومدادي كساكب قطرة في لج بحر،، لكني أبثها عبر الأثير ،،، وأخشي النقص والتقصير،،كتبنا عنها سابقآ حلقات لكنها تحتاج إلى مجلدات،،
🔹🔹🔹
تدمع عيني ويرقص قلبي كلما ذكرت في المجالس،، بل كلما طاف بخيالي أبنيتها وأزقتها وحواريها وشوارعها،، وحتى النيل الذي يحتضن أطرافها ويلتف حول خصرها،، ويقبل جبينها ويغازل أغصانها،، يمر على جزيرة الفيل والمكي بكامل الأناقة،، وفي ام سويقو يعكس أجمل إشراقة،، ويبتسم لي أهل الدباغة ،،يجود بالخير للسماكة،، ويرقص مع السباحين التيكي تاكا،،
🔹أتذكر وانا يافع تذهب جدتي لسوق (ام سويقو) لتزور جدها الشيخ سعدابي ود شرف الدين ثم تعرج على السوق وتحمل في مخلايتها
البن والفول والتسالي والنبق واللالوب والدوم والتبش وقصب السكر والعنكوليب،، ثم تعود إلى حي جبرونا سيرا على أقدامها وفي المساء تفرش الشوال وتعرض بضاعتها لتبيع للصغار وأحيانا كنت اجلس بدلا عنها لتقضي مشوار أو لترتاح قليلا وطبعا الكيمان لاتسلم من الشفشفة والضواقة وملي الجيوب،،
هذه القصة تذكرني بالباعة الجوالين وأذكر هنا بياع الترمس الذي كان يحمل في يديه جوز من( الجرادل) واحد (ترمس) والثاني (كبكي) وكان يغطيهم بقماش شفاف وتجده يجوب الشوارع وينادي ترمس ترمس كبكبي،، ويعطيك في قرطاس من الورق
وكذلك تاجر الزجاج الفارغ والشوالات وكان يطوف بحماره وينادي بصوته في الفريق (المعا قزاز،، المعا شوالات والمعا صفايح) أيضا نتذكر الفلاتي بتاع السمك الذي ينادي بأعلى صوته (حمام النيل) وحتى المرأة الحلبية التي كانت تبيع الفسيخ وتنادي بنغمتها المعروفة (الفسيخ الفسيخ الحلو مامسيخ) وكذلك أيضا عبداللطيف حلاوة والد جارنا محمد بطة كان عنده بوق او مكبر صوت وكان مسحراتي أيضآ يجوب المدينة
ذكريات الكربه في فريق الحلبه والعنافي وتوزيعهم للخضار بالكارو شموم والزوبار في فريق الحلبه
🔹 ياخي مافي احلى من بليلة بت أحمد وسلطة حاجة كلتوم بت ابنعوف وحاجة عيوشة بت سدرة وفطور لندن وعشاء حليمة بت الروح طعمية اشرف و التاج طعمية
ما أجمل ليمون وحليب عمك حاج حمزة والد اخونا ازهري وجد صديقنا محمد السر كذلك عمك عثمان الحربيابي والد( تلب) لاعب الشعلة ويوسف وعبده لاننسى العصير من كشك عمك كباشي في الموقف القديم جوار الاسبتالية
🔹 وفي الموقف تجد بياعين الباسطة وكان البعض يقول عليها (الباسطة المفسحة) تجدها في الفترينة المصنوعة من الزجاج والخشب ولها عجلات وتجد صاحبها يستخدم (الرتينة) للاضاءة وكانت لذيذة ورخيصة ثم شهدنا بعد ذلك حلويات الشانزليزيه وباسطة سلا وحلويات مكاوي وفي شارع الجمهورية كانت تباع حلويات تسمى (السرندبل) في حلواني الاخوان تبع اولاد الإمام أحمد بلة جوار بار ابوشمس وحلواني الخواجة جوار مكتبة مضوي ومقابل بنك الوحدة
اما الفطور بالأخص بياعين الفول طبعا اشهرها فول ابوظريفة وفول عمك كشك وقبلهم عم عباس يس والد الريس مدني عباس رئيس جمعية ابناء ودمدني الخيرية بالرياض والفاتح وخالد عباس
وأشهر مطاعم السمك عمك حسن جادالله والد الدكتور بدرالدين وتجد أيضا سندوتشات السجك في مطعم الهولاهوب مع عصير الليمون بالخلاط
🔸قصص وحكايات تمر بخاطري نتذكرها بكل تفاصيلها
وكان أشهر مصانع البارد و المثلجات مصنع الحرية والليمونادا والجنجبيرة والكيتي كولا والغطاء كان مرسوم وجه القط
وأشهر السواقين في مصنع الحرية عمك جعفر ادريس الشهير بي جعفر (مقلب) والد الأخ عماد جعفر ثم لاحقا مصنع البيسبي ومصنع استيم والكولا،،،
🔸الترابط والنسيج الإجتماعي يشكل وجدان مدني خاصة في المناسبات والملمات فلو أنت مريض في المستشفى أو عندك مريض في عنبر فائز أو عنبر شيخ العرب أو الدرجة أو عنبر القايني بتلقي جارك معاك وبتلقي الصاحب معاك ولو احتجت لي دم،، عادي ناس بنك الدم يرجعوا نصف العدد للاكتفاء،،
ولو عندك مناسبة بتلقي اولاد الفريق واقفين معاك بتلقي ناس مع الطباخ و ناس بتركب في الصيوان .أتذكر اولاد الفريق بعد اكفوا الضيوف عشاهم بكون باقي طرشي وحبة سلطة أسود ولا بيض وكانوا راضين وسعيدين ويبشروا في العريس
🔸 من الطرايف في المناسبات كان في واحد يدعي (عشمتيني) وهو معروف لدي سكان القسم الأول ويعرفونه جيدا فإذا عندك مناسبة زواج بجي الصباح الباكر يركب الزينة وهو اصلا كهربائي ويرص الكراسي وايضا هو طباخ بظبط العشاء وكمان فنان عنده أغنية وحيدة اسمها( عشمتيني في حبك ليه) وفي نصف الحفل يقول جملته الشهيرة مازال الليل طفلا يحبو بالعربي والفرنسي،،
🔹اما اذا عندك وفاة بتلقي الجار والصاحب والزميل واقفين معاك كأنهم اصحاب الدار،، بتلقي ناس سبقوا الجنازة للمقابر وجهزوا القبر ونذكر منهم عمك المرحوم (عوض الله جبارة) وجماعته اولاد الفريق وفهمي البوشي وعمك (جيلون) ولا ننسى شيخ العرب الذي كان يتولى دفن الموتى خاصة الجثث مجهولة الهوية التي كانت تترك بالمشرحة لفترة ولم يعرف لهم أهل ،، أو ماتو بسبب حوادث وليس معهم سوي شخص واحد أو اثنين،،،
بعد الدفن بتلقي ناس ركبت الصيوان،، بتلقي ناس جابت الغداء وناس جابت العشاء بي كل محنه وطيبة قلب،،،،
هذه هي مدني ومجتمعها المترابط الاجتماعي
🔹مدني والجرح النازف
لا أدري ماذا أقول،، حروفي تبكي دمعا على الفرقة ونزوح أهلها الذين تفرقت بهم السبل وما أصابهم من ألم وحسرة على مفارقتها والبعد عنها بسبب هذه الحرب اللعينة ومافقدوه من ممتلكات،،
أجد نفسي في أبيات الشاعر الفذ التجاني يوسف بشير؛
(أذني لا ينفد اليوم بها غير العويل
نظري يقصر عن كل دقيق وجليل
غاب عن نفسي إشراقك والفجر الجميل
واستحال الماء فاستحجر في كل مسيل،،،،،،)
لكنه مهما طال الغياب واشتدت وطأة الرحيل،،لن تذبل زهورها ولن يجف ماء النيل،، ولن تسكت مئاذنها رغم صوت بنادق الدخيل،، فهي الآن أسيرة لكن قيدها سينكسر،، وظلامها سينحسر،، لن تمت فيها الحياه،، ولن تنحني فيها الجباه،، وأن بلغ الظلم مداه،،مازالت السحب حبلي بالمطر،، ومازال نور الشمس يزاحم السحر،، ومازال القمر ينادينا للسمر،، ومادام في الكون جمال،، مادام الممكن يجتاز المحال،، مادام في خاطرنا حلم الوصال،،
ستشرق شمك بعد حين،، وسيأتي الفجر اليقين،، محملا بالبشارات والفتح المبين،،
ويفوح في رياضك عطر الياسمين،، سنتزود من مائك وزادك،، وسنلهو في رحابك والغيم يظللنا والقبلي شابك،، وغدا نعود حتما نعود للروضة الغناء وللديار و الكوخ الموشح بالورود،،