
في زمن تضاعفت فيه المآسي، وفقدت فيه ألوان الوعي مكانها، ظهر واضحاً أن
قوى الحرية والتغيير (قـحت) وقوات الدعم السريع («الجنجويد») قد فقدا معه أهم رصيد لهما: ثقة الشعب السوداني
ولا نحتاج إلى كثير من الأدلة؛ فهذه الحقيقة تتجلى في
مليشيا الجنجويد التي قبلت أن تكون ذراعاً مسلحاً لنهب الأرض والإنسان، وجعلت من القتل والاغتصاب والسطو أسلوب عيش.
اما قحت التي وقفت موقفاً غامضاً، أو ربما مشبوهًا، حين انهارت المعادلة الوطنية، تصمت أو تشكّك أو تتبرّأ من معارك الدفاع عن الوطن، ففقدت معها الشرعية والمصداقية أمام جماهير السودان.
في المقابل، ارتفعت أصوات أخرى كـ درع السودان («المقاومة الشعبية») — ورفعت راية التضحية الحقيقية، فالتفت حولها الناس وهم يرون في العمل الميداني والدافع الوطني صدقاً لا مزيد.
لذا كان من الطبيعي أن تنقلب المعادلة، فلم يعد «الموقع البائس» محطّ العطف، بل صار «المقاتلُ الشجاعُ على الأرض» هو من يستقطب التعاطف، بينما كان الآخران لاحقين في الركب.
والسؤال الذي نطرحه اليوم بدون رتوش:
من كان وراء استمرار الحرب، من دفع بالمليشيا، من عطّل فرص السلام
من منع تسليح الجيش الذي يحمي الوطن؟
من إذن يريد استمرار الحرب ليبقى «الذبّاب والسيطرة» وأدواتها؟
ثم جاءت الخطوة الأهم: إعادة حساب القوى المجموعة، وتموضعها، ومواقفها، بعيداً عن الشعارات الفضفاضة والبيانات التي لا تنزل إلى الأرض.
إنّ هذا المقال ليس مجرد نقد عابر، بل إنه دعوة جدّية لمراجعة:
موقف قحت لماذا اختارت صمتها حين واجه الوطن خطره؟
وكذلك مليشيا الجنجويد: لماذا اختارت أن تكون أداة للتخريب بدل بناء الوطن؟
ومقرّات القوى الأخرى: هل حان الوقت لتحمّل المسؤولية؟
فالخسارة هنا ليست مجرد تأخر في سُلّم التغيير، بل هي فقدان الثقة التي كانت غطاءً لكل أمل. ونظراً لذلك، فالحل الوحيد هو أن ننتقل من انتماءات العجز إلى فعل البناء، من الشعارات إلى التنفيذ، من الخضوع إلى القيادة الحقيقية.
وأخيراً، إنّ المعادلة أصبحت واضحة:
إن كان الشعب قد قال كلمته، فإن الوقت لا يسير لصالح من ضيعوا الأرض والعرض.
والصدى القادم ليس من أولئك الذين تخلّفوا عن الصف، بل من الذين رفعوا البندقية أو الراية، فكانوا أهلها.
فلنعد حساباتنا، ولنعمل بكل وجداننا، لأن الوطن لا يُنتظر، بل يُبنى.