محمدالامين ابوزيد يكتب …*مستقبل التغيير فى سوريا بعد الاسد واتجاهات تطوره* ــ بعانخي برس
بعانخي برس
*محمد الامين ابوزيد*
تعتبر سوريا قطرا عربيا مهما بماتمثله من عمق تاريخى وحضارى وقومى فى الوطن العربى وهى من أوائل الدول التى تحررت من الاستعمار وحققت نظاما وطنيا برلمانياتعدديا،وهى تعد مهد الفكر القومى بشقيه التقليدى والحديث.
ان قراءة مايحدث فى سوريا تتطلب خلفية تاريخية مهمة حيث تعتبر سوريا التى نالت استقلالها فى الاربعينات من الاحتلال الفرنسى اكثر الاقطار العربيةعرضة للانقلابات العسكرية(احدى عشر انقلابا)ابرزها انقلاب اللجنة العسكرية بقيادة صلاح جديد وحافظ الاسد فى شباط عام 1966على سلطة حزب البعث الشرعية.ولاحقا سيطرة حافظ الاسد وانفراده بالسلطة عام 1972الذى مارس تسلطا وقمعا على كافة القوى السياسية الوطنية بما فيها البعث الذى حكم باسمه وشرد قياداته التاريخية وحكم عليها بالاعدام وعلى رأسها مؤسس البعث ميشيل عفلق وصلاح البيطار وشبلى العيسمى وامين الحافظ وغيرهم.
انتهى نظام الاسد الى نظام طائفى علوى شيعى تحالف مع ايران ضد العراق فى الحرب العراقية الإيرانية،وسلم الجولان دون قتال عام 67،واغلق ماكتب حركة التحرير الفلسطينية فى دمشق وطرد قياداتها.
هذه الخلفية مهمة لازاحة اللبس والتزييف الذى مارسه النظام السوري لسنين طويلة.
*تاريخ المعارضة السورية*
نشات المعارضة السورية عام 1982فى باريس عقب مجزرة حماة فى نفس العام التى جرت نتيجة حركة احتجاجات جماهيرية واسعة ،باسم التحالف الوطنى لانقاذ سورياالذى دعا للنضال المسلح للاطاحة بنظام حافظ الاسد.
ضم التحالف فصائل إسلامية وقومية ويسارية تكونت من حزب البعث العربى الاشتراكى المدعوم من العراق بقيادة صدام حسين وابرز قادته شبلى العيسمى وامين الحافظ وجماعة الاخوان المسلمين بقيادة عدنان سعد الدين والجبهة الاسلامية بقيادة عبدالفتاح ابوغدة والحزب الشيوعى المكتب السياسي بقيادة رياض الترك والاتحاد الاشتراكى العربى جاسم علوان وشخصيات مستقلة.
ظل التحالف يمارس دوره المعارض فى تعرية النظام ولم يستطع ان يكون قوة ذات تاثير كبير فى اسقاط النظام ومواجهة اجهزة البطش الامنية.
فى العام 2011انطلقت احتجاجات واسعة النطاق ضد النظام السوري مؤيدة للديمقراطية ومطالبة باصلاحات سياسية ودستورية ،كجزء من موجة احتجاجات الربيع العربي التى شملت المنطقة باثرها وقد واجهها النظام بقيادة بشار الاسد الذى اعتلى السلطة توريثا عقب وفاة والده،حيث تم تعديل الدستور خصيصا لغرض بلوغه سن الرئاسة.
تكون تحالف المعارضة السورية من تيارات وطنية يسارية وقومية واسلامية وعلمانية واحزاب كردية اهمها الائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة والمجلس الوطنى السورى الذى أنشأ فى تركيا 2011بقيادةد.
برهان غليون.وهيئة التنسيق الوطنية التى تاسست فى سبتمبر 2011من تكتلات معارضة والجيش السورى الحر الذى يتألف من منشقين من الجيش السورى.
*مستقبل التغيير فى سوريا الى اين تتجه بوصلته؟*
الاوضاع فى سوريا معقدة وتعود جزورها الى عدة عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية بدأت الازمة السورية عام 2011 حيث خرجت احتجاجات سلمية فى البداية تطالب باصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية ورفع القيود عن الحريات فى اطار النظام القائم نفسه.
على مر الزمن تحولت الى نزاع مسلح نتيجة لقمع الحكومة للاحتجاجات مماادى الى تدخل جماعات مسلحة مختلفة وقد كان تاثير الاوضاع فى العراق بعد الاحتلال الامريكى 2003وغزو افغانستان قد شكل بيئة خصبة لدخول جماعات متطرفة من القاعدة وغيرها من الجماعات الاسلامية التكفيرية.كما تدخلت قوى خارجية مثل الولايات المتحدة وتركيا التى دعمت بعض الفصائل وإيران وروسيا التى وقفت الى جانب النظام ممازاد من تعقيد الوضع وجعل من سوريا مسرحا لتقاطع اجندات دولية متعارضة.
يضاف الى ماسبق العوامل الاقتصادية مثل الفقر والبطالة بالاضافة الى التوترات الطائفية والعرقية ساهمت فى تفاقم الازمة والنتيجة كانت دمار واسع النطاق وفقدان الكثير من الارواح وتهجير الملايين من السوريين داخل وخارج البلاد وكارثة انسانية ظلت ممتدة لسنين طويلة جراء الحرب والمواجهات.
ان قضية اسقاط النظام السورى والتطور الاخير الذى حدث بشكل دراماتيكى سريع وادى الى انهيار الجيش السورى امام هجمات المعارضة التى بدات اواخر نوفمبر،ان سقوط النظام الذى حدث اليوم 8ديسمبر بدخول قوات المعارضة الى دمشق وهروب بشار الأسد تعتبر عملية معقدة تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية.حيث ظهرت منذ بداية الثورة السورية العديد من النظريات حول وجود مؤامرات وصفقات وراء الاحداث.
تعتبر العوامل الداخلية فى الفساد والقمع وسوء الادارة عوامل رئيسية فى اندلاع الثورة حيث كان حلم السوريين هو تغيير اجتماعى وسياسى.
اما العوامل الخارجية فهناك اتهامات للولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج لدعم المعارضة السورية بشكل مباشر او غير مباشر مما اضاف بعدا دولياً للصراع.
على الجانب الاخر دعمت روسيا وايران النظام السوري مما ادى لتعقيد الوضع وزيادة حدة الصراع.
وهنالك من يعتقد بان هناك مؤامرة دولية لإسقاط النظام السوري لاسباب جيوسياسية فى تغيير موازين القوى فى الشرق الاوسط لصالح إسرائيل بالرغم من ان الاحداث وتطورات الصراع العربى الصيونى اثبتت بطلان هذا الاعتقاد وعدم قدرة النظام السورى بمرحلتيه(الاب والابن)على لعب دور المواجهة.
الان وبعد سقوط النظام يعتبر التحدى الاكبر هو سيطرة الجماعات المتطرفة على مقاليد البلاد حيث تسعى إلى اهدافها عن طريق العنف والارهاب مايؤدى الى تفكك الامن وعدم الاستقرار ويقود الى صراعات داخلية واحتمال ظهور جيل جديد من المتطرفين.الجماعات المتطرفة غالباً ما تتبنى سياسات قمعية وتفرض تفسيرات صارمة للدين مايؤدى لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.يمثل وجود الجماعات المتطرفة فى سوريا تأثير على الامن الاقليمى والدولى ممايزيد من تعقيدات الصراع ويؤدى الى تداعيات اوسع.
*مستقبل سوريا بعد الاسد*
ان مستقبل التغيير فى سوريا بعد الاسد يعتمد على عدة عوامل معقدة متعلقة بالتحولات الاجتماعية والإقتصادية والسياسية وهنا نشير الى بعض السيناريوهات:
-قد بحدث انتقال سياسى يؤدى الى تشكيل حكومة جديدة تمثل مختلف التيارات السورية وهذا يمكن ان يوفر فرصة لبناء دولة ديمقراطية مما بتطلب توافقا واسعا.
-يمكن ان يقود سقوط النظام الى صراع داخلى على السلطة بين الجماعات المختلفة مثل الفصائل المسلحة والاحزاب السياسية والاقليات من الاكراد والتركمان مما يزيد من الفوضى وعدم الاستقرار ويرشح فرص الانقسام.
وقد تستمر الازمات الانسانية فى التدهور بما فى ذلك النزوح الجماعى والاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
-التدخلات الدولية بعد تغيير النظام من دول اقليمية ودولية مثل تركيا وايران والولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الخاصة سيضيف بعدا جديدا لتعقيد الاوضاع.
-اعادة البناء والتنمية يتطلب استثمارات صخمة وتحقيق مصالحة وطنية شاملة.
-يعانى الاقتصاد السورى من انهيار كبير فالحكومة الجديدة ستواجه تحديات صعبة فى اعادة الاعمار وتحسين ظروف المعيشة.
ان مستقبل سوريا بعد سقوط الاسد يحمل الكثير من الغموض والتعقيد بطبيعة المكونات المتباينة للقوى المعارضة من جهة وقدرة السوريين والمجتمع الدولى على التوصل الى حاول مستدامة.
ان الاوضاع قد تنفتح على احتمالات متعددة لاسيما فى ظل تطورات الحرب فى غزة ولبنان الامر الذى يجعل المنطقة كلها الى ساحة مواجهة او اعادة تشكل جديد وهذا يتوقف على رد الفعل الاقليمى والدولى.