قولا لينا
د. محمد بشير الإمام
وداعا دكتور مازن
لعلنا ندرك جميعا أن الم الفراق تزداد شدته كلما كان المفارق ذو مكانة في القلب وأن أصعب اللحظات هي التي نودع فيها الأخلاء إن عزموا على الابتعاد الاختياري فكيف يكون الشعور عندما نفارق أرواحهم المسافرة إلى عليائها.
الكثير من الكتاب والمفكرين والشعراء عبروا عن الموت ولكن أري من أجمل العبارات في هذا الشأن ما جادت به قريحة الإمام علي كرم الله وجهه ومنها:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت بانيها
فان بناها بخير طاب مسكنها
وإن بناها بشر خاب بانيها
انتقل في الأيام الماضية إلي دار البقاء صديقي و أستاذي و رفيق غربتي الرجل الخلوق المؤدب و المتواضع الباحث الاكاديمي الاستثنائي ابن ارض الرافدين الدكتور مازن عباس الجبوري بالعاصمة التركية انقرا أثناء زيارته المعتادة لها لإجراء بعض المعاملات بالسفارة العراقية هناك فقد صعدت روحه الطيبة فجأة و هو متكئ علي كتف زوجته التي كانت ترافقه و هذه أمنية تمناها فوهبها الله له و قد شعر بدنو أجله عندما شكر زوجته قبل يومين من رحيله علي كل ما قدمته له و في أخر ليلة قبل وفاته قام بمراجعة سورة ال عمران معها كما كان يحدثها قبل موته بساعة واحدة عن علامات الموت وهو يجهش بالبكاء.
الفقيد كان طيب المعشر و صاحب أخلاق رفيعة جدا يوقر الكبير و يحترم الصغير و يحسن إلي الجيران و يقضي حوائج الناس و محب للمرح و الفكاهة , و عندما نزوره كان يستقبلنا بحفاوة أهل العراق الكرماء و يسعي لتهيئة كافة السبل لإسعادنا حتي مشاهدة تلفازه يضبطها علي مزاجنا فياتي لنا بالقنوات السودانية ليشاركنا همومنا الوطنية و يوقد شموع الأمل دوما في طريقنا بحديثه الإيجابي العذب و تحليلاته الفكرية المتعمقة و مع كل هذا لا ينسي فكاهته التلقائية عندما يمازح ابنتي مريم قائلا لها الدكتورة الصغيرة و هو يردد كلمته الصادقة دوما (نحن أهل) لا تترددوا في زيارتنا في كل وقت فأبوابنا مفتوحة كل الأوقات لأجلكم.
كان صديقي دكتور مازن من أكثر الناس شغفا بالعلم فعلاوة على عمله كباحث علمي و أسناد جامعي كان طالبا بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا الأمريكية ولم يتبق له من الامتحان النهائي لنيل البكالوريوس منها سوي أسبوع واحد عند انقضاء الأجل المحتوم.
كان الراحل دكتور مازن يحب الرسول صلي الله عليه وسلم كثيرا ويحرص على اتباع سنته ويهتم بإثراء المعرفة الدينية بالبحث والكتابة وحتى قبل وفاته بثلاثة أيام فقط أرسل لي عبر الواتس اب واحدة من مؤلفاته البحثية بعنوان موقف الشريعة الإسلامية من السحر وفي صفحة الإهداء ذكر انه يهدي جهده المتواضع للرسول صلي الله عليه وسلم.
اللهم أرحم عبدك الفقير اليك مازن عباس واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة و اجعل البركة في زوجته الصالحة الصابرة وذريته و كل اهله و ارحم كل موتي المسلمين و ارحمنا اذا صرنا إلي ما صاروا اليه.