
هنالك توضيح يجب ذكره قبل أن ألج إلى تفسير ما ذُكرت في العنوان وذلك بسبب خلط مفاهيمي ينتشر بين الناس، فعندما نورد بعض الحقائق يضعها الكثيرون في خانة التبرئة وليس التبرير والتفسير، هذا الخلط بين التبرئة و التبرير هو عمل عاطفي يقوم به الشخص الرافض لسماع الحقيقة ويفضل أن يسمع ما يحب ويتمنى فقط، ويعتبر كل ما عدا ذلك كذب، أنّ التبرئة عمل دفاعي بحت، وفي بعض الأحيان لا يقوم على حقائق بل يورد ما ينفي التهمة فقط أما التبرير فهو تفسير وتعليل ما يجري بناء على معطيات واقعية منطقية لا علاقة لها بما نريد أو لا نريد، ويمكن للتبرير أن يكون مبرئ أو مجرّم وذلك حسب موقع المتلقي، وفي الوقت الراهن يلاقي الشأن العام اهتمام واسع، لذلك يجب عليك كفرد أن تمتلك هذه المهارة وبعض المهارات الأخرى حتى لا تكون عبء على الآخرين وعلى الشأن العام نفسه، فسطحيتك في تناول الأمور لا تخدم أحد ألا من ينوي تغييب عقلك.
*لماذا لم يكوّن الدعم السريع حكومته؟*
هذه حجة يرددها عدد من الناس وينفون بها سيطرة الدعم السريع العسكرية على عدد من الولايات حيث يرون أن من المنطق أن يعلن المسيطر حكومته، يغيب على هؤلاء أنّ للحكومة التزامات وشروط وواجبات وبمجرد أن يعلن طرف أنّه الحكومة يصبح من الواجب عليه توفير الأمن، الغذاء، الخدمات، الرواتب ، الصحة والتعليم، وكل ما يخص حياة مواطن يعيش في منطقة سيطرته، وإذا حدث أي تقصير سيحسب عليه، ثانياً إعلان حكومة يعني تثبيت تهمة التمرد التي يلقيها الجيش على الدعم السريع وإذا أقر الدعم السريع بتمرده سيخسر التوازن الخارجي الذي يضع الدعم السريع كقوة تابعة للجيش تستمد دستوريتها من دستورية الجيش تقول أنَها تعرضت للهجوم بسبب سيطرة الإخوان المسلمين على القرارات داخل الجيش ولكنهم لازالوا مستعدين للعودة تحت قيادة قوات الشعب المسلحة، ويجب الإشارة إلى أن الوضع القانوني الذي كان يتمتع به الدعم السريع، والموقع الدستوري الذي حظى به محمد حمدان دقلو قبل الحرب والذي أقحمه البرهان وفرض وجوده في الوثيقة الدستورية، هو أكبر مظلة يحتمي بها الدعم السريع من الرفض والتجريم الخارجي، اذاً إعلان حكومة سيلغي كل ما سبق وكما أسلفنا يصبح الدعم السريع مسؤول عن إدارة الدولة وإدارة مواردها التي تعني إدارة عملية الصادر والوارد والإنتاج ومع التعقيدات الإقليمية والوضع الداخلي غير المستقر لن يجد الدعم السريع منطقة مستقرة قادرة على توفير إنتاج كافي ليوفر موارد للدولة، كما لن يجد دولة حدودية قادرة على التبادل التجاري المجدي إن لم ترفض هذه الدول التعامل مع حكومة الدعم السريع ورفضت الاعتراف بها، هذا إطار الصورة الكبيرة فقط فاعلان حكومة عمل ضخم جداً ويحتوي على تفاصيل كثيرة إذا تورط فيه الدعم السريع سيتعثر بقدمية وسيفشل فيه فشل ذريع، فبدلاً عن المنح التي يقدمها في شكل شيء من الدقيق والمحروقات لبعض القرى بين الفينة والأخرى ويقابله الناس بالشكر سيصبح ملزم بتوفير كل شيء بدءً من رجل الشرطة في الشارع والأقسام و المعلّم والكتب والطبيب والمستشفيات حتى البنوك والنقود.
إذاً الدعم السريع لن يعلن حكومة إلّا إذا حصل على ضمانات بالاعتراف من بعض الدول أهمها مصر أو ليبيا التي ستشكل بديل للمنفذ البحري الوحيد في المنطقة (بورتسودان) وإلّا سيجد نفسه يحكم دولة حبسية محاطة بدول حبيسة وسيكون عليه الاعتماد على النقل البري لمسافات غير منطقية لنقل المواد والسلع أهمها البترولية والغذائية وحتى هذه افتراضية ليست ميسرة في ظل سيطرة الجيش على شمال السودان وبالتالي يسيطر على الحدود بين السودان وبين الدولتين المذكورتين، وكذلك تحتاج حكومة كهذه لمن يساند قضاياها امام المجتمع الدولي ويقف ليتحدث نيابة عنها حتى تجد قبول وستسبب خطوة كهذه عداء مع السودان ، و كما أنّ إعلان حكومة ربما يتسبب في شرخ داخلي إذا شعر أحد مكونات الدعم السريع بالتهميش والاقصاء وليس بالضرورة أن يكون هذا الشعور منطقي ربما فقط يرتكز على الشعور بالاستحقاق أو الاستحقار وحينها كل شيء وارد.
سأشير إلى نقطة دائماً ما اعتبرتها هي نقطة قوة للجيش قادرة على إنهاء هذه الحرب بصورة مرضية للجميع في ظل استحالة الحسم العسكري، وهي شرعية الجيش ودستوريته كقوات مسلحة رسمية والقادرة على إجبار الدعم السريع على العودة تحت قيادته وإلّا سيجبر الدعم السريع على إعلان التمرد، وحينها سيفقد الغطاء الذي ذكرته سابقاً وتغير الموقف العالمي من الدعم السريع يعني تغير النظرة لكل من يقف معه، ولكن هذه أيضاً ليست بالعملية البسيطة وأتمنى أن لا يتعامل القارئ معها مثل المغالطات التي يلقي بها البعض ويلتقطها الجماهير مبتورة وتشكل ثقب أسود فكري جديد، تحتاج هذه الخطوة لتفنيد حجج الدعم السريع للعالم بشكل رسمي مقنع بتقديم ما يثبت عدم صحتها أو بتقديم حلول منطقية، فهذه مشكلة حقيقية نتج عنها شبه انهيار للدولة وموت الآلاف وتفكك عميق في كل مناحي الحياة ولا يمكن حلها بالمنهج المتبع ألآن وهو التلاعب السياسي كما كان يحدث في عهد الإنقاذ، فالمشكلة لم تعد حصار اقتصادي أمريكي وتستبدل امربكا بالصين وليس عقوبات نتحايل عليها بواجهات وتحشيد شعبوي هتافي فارغ، هذه حرب تحتاج لمن يتجرد من كل شيء إلّا المحافظة على هذه البلاد وإخراجها من حفرتها .
(نحتاج لرجل يمسك بكل الأسلحة وقادر على استخدمها ولكنه لن يقبل بكرسي الحكم ولو ليوم واحد).